من استرقه الكون لغرض نفسي ليس للحق فيه رائحة أمر فإن ذلك يقدح في عبوديتهويجب عليه الرجوع إلى الحق تعالى قال بعض الكبار : من ذم الدنيا فقد عق أمه لأن جميع الإنكاد والشرور التي ينسبها الناس إلى الدنيا ليس هو فعلها وإنما هو فعل أولادها لأن الشر فعل المكلف لا فمل الدنيا فهي مطية العبد عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر فهي تحب أن لا يشقى أحد من أولادها لأنها كثيرة الحنو عليهم وتخاف أن تأخذهم الضرة الأخرى على غير أهبة مع كونها ما ولدتهم ول تعبت في تربيتهم فمن عقوق أولادها كونهم ينسبون جميع أفعال الخير إلى الآخرة ويقولون أعمال الآخرة والحال أنهم ما عملوا تلك الأعمال إلا في الدنيا فللدنيا أجر المصيبة التي في أولادها ومن أولادها فمن أنصف من ذمها بل هو جاهل بحق أمه ومن كان كذلك فهو بحق الآخرة أجهل وفي الحديث :"إذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعظانا لربه" وقال بعضهم : طلب الثواب على الأعمال بحسن النيات والرغبة فيه لا يختص بالعامة بل لا يتحاشى عنه الكمل لعلمهم أن الله تعالى أنشأهم على أمور طبيعية وروحانية فهم يطلبون ثواب ما وعد الله به ويرغبون فيه إثباتاً للحكم إلا لهي فإن المكابرة بالربوبية غير جائزة فهم مشاركون للعامة في طلب الرغبة ويتميزون في الباعث على ذلك فكان طلب العارفين ذلك لإعطاء كل ذي حق حقه ليخرجوا عن ظلم أنفسهم إذا وفوها حقها فمن لم يوف نفسه حقها فقد نزل عن درجة الكمال وكان غاشاً لنفسه ﴿وَمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ إِلا مَتَـاعُ الْغُرُورِ﴾ أي كالمتاع الذي يتخذ من نحو الزجاج والخزف مما يسرع فناؤه يميل إليه الطبع أول ما رآه فإذا أخذه وأراد أن ينتفع به ينكسر ويفنى.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
ـ حكي ـ أنه حمل إلى بعض الملوك قدح فيروزج مرصعاً بالجواهر لم ير له نظير وفرح به الملك فرحاً شديداً فقال لمن عنده من الحكماء : كيف ترى هذا؟ قال : أراه فقراً حاضراً ومصيبة عاجلة قال : وكيف ذلك؟ قال : إن انكسر فهو مصيبة لا جبر لها وإن سرق صرت فقيراً إليه وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أنه انكسر القدح يوماً فعظمت المصيبة على الملك وقال : صدق الحكيم ليته لم يحمل إلينا ثم كونها متاع الغرور والخدعة إنما هو لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة إلى الآخرة وأما من اشتغل فيها بطلب الآخرة فهي له متاع بلاغ إلى ما هو خير منها وهي الجنة فالدنيا غير مقصودة لذاتها بل لأجر الآخرة وفي الحديث نعم المال الصالح للرجل الصالح.
وفي المثنوي :
مال راكذ بهر حق باشى حمول
نعم مال صالح كفتش رسول
فما شغل العبد عن الآخرة فهو من الدنيا ومالاً فهو من الآخرة قال بعض الكبار : ورد خطاب إلهي يقول فيه : خلقت الخلق لينظروا إلى مفاتيح الدنيا ومحاسن الناس فيؤديهم النظر في مفاتيح الدنيا إلى الزاهد فيها ويؤديهم النظر في محاسن الناس إلى حسن الظن بهم فعكسوا القضية فنظروا إلى محاسن الدنيا فرغبوا فيها ونظروا إلى مساوي الناس فاغتابوهم.
ـ حكي ـ أن الشيخ الفوارس شاهين بن شجاع الكرماني رحمه الله خرج للصيد وهو ملك كرمان فأمعن في الطلب حتى وقع في برية مقفرة وحده فإذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع فلما
٣٧٢
رأيته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا إليه سلم عليه وقال له : يا شاه ما هذه الغفلة عن الله اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك إنما أعطاك الله الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة إلى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه إذ خرجت عجوز وبيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب ودفع باقيه إلى الشاه فرشبه فقال : ما شربت شيئاً ألذ منه ولا أبرد ولا أعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب : هذه الدنيا وكلها الله إلى خدمتي فما احتجت إلى شيء إلا أحضرته إلى حين يخطر ببالي أما بلغك أن الله تعالى لما خلق الدنيا قال لها : يا دنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه فلما رأى ذلك تاب واجتهد إلى أن كان من أهل الله تعالى فإن قلت إن الله تعالى خلق للإنسان جميع ما في الأرض ولا ينبغي للعروس أن تجمع ما نثر عليها بطريق الإعزاز والإكرام فمن عرف شأنه الجليل ما نظر إلى الأمر الحقير القليل بل كان من أهل المروءة والهمة العالية في الإعراض عما سوى الله تعالى والإقبال والتوجه إلى الله تعالى ﴿سَابِقُوا﴾ أي سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار وهو الميدان ﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ عظيمة كائنة ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي إلى أسبابها وموجباتها كالاستغفار وسائر الأعمال الصالحة أي بحسب وعد الله وإلا فالعمل نفسه غير موجب وفي دعائه عليه السلام أسألك عزائم مغفرتك أي أن توفقني للأعمال التي تغفر لصاحبها لا محالة ويدخل فيها المسابقة إلى التكبيرة الأولى مع الإمام ونحوها.
سلمى قدس سره كفت كه وسيله معفرت حضرت رسالت است عليه السلام س حق سبحانه وتعالى ميفرمايدكه شتاب نماييد بمتابعت اوكه سبب آمر زش است :