بأن استنبأنا بعض ذريتهما وأوحينا إليهما الكتب مثل هود وصالح وموسى وهارون وداود وغيرهم فلا يوجد نبي ولا كتاب إلا وهو مدللٍ إليهما بأمتن الأسباب وأعظم الإنسان ﴿فَمِنْهُم﴾ أي فمن ذرية هذين الصنفين أو من المرسل إليهم المدلول عليهم بذكر الإرسال والمرسلين يعني س بعضي از انهاكه أنبياء برايشان آمدند ﴿مُّهْتَدٍ﴾ أي الحق يعني إيمان آورده بكتاب ونبي وثابت شد بردين خود ﴿وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـاسِقُونَ﴾ خارجون عن الطريق المستقيم فيكونون ضالين لا محالة ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَـارِهِم بِرُسُلِنَا﴾ أي ثم أرسلنا بعدهم رسلنا والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم من الأمم يعني بعد از نوح وهود وصالح را وبعد از إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف را.
أو من عاصرهما من الرسل ولا يعود إلى القرية فإن الرسل المقفى بهم من الذرية يقال قفا أثره اتبعه وقفى على أثره بفلان أي اتبعه إياه وجاء به بعده والآثار جمع أثر بالكسر تقول خرجت على أثره أي عقبه فالمعنى اتبعنا من بعدهم واحداً بعد واحد من الرسل قال الحريري في درة الغواص : يقال شفعت الرسول بآخر أي جعلتهما اثنين فإذا بعثت بالثالث فوجه الكلام أن يقال عززت بثالث أي قويت كما قال تعالى : فعززنا بثالث فإن واترت الرسل فالأحسن أن يقال قفيت بالرسل كما قال تعالى : ثم قفينا على آثارهم برسلنا ﴿وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ أي أرسلنا رسولاً بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى ابن مريم فأتينا به بعدهم يعني وازيى در آورديم اين رسل راوتمام كرديم انبياء بني إسرائيل را بعيسى ابن مريم.
فأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا﴾ دفعة واحدة ﴿وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ﴾ المؤمنين ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ أي عيسى في دينه كالحواريين وأتباعهم ﴿رَأْفَةً﴾ وهي اللين ﴿وَرَحْمَةً﴾ وهي الشفقة أي وقفينا رأفة أي أشد رقة على من كان يتسبب إلى الاتصال بهم ورحمة أي رقة وعطفاً على من لم يكن له سبب في الصلة بهم كما كان الصحابة رضي الله عنهم : رحماء بينهم حتى كانوا أذلة على المؤمنين مع أن قلوبهم في غاية الصلابة فهم أعزة على الكافرين قيل امروا في الإنجيل بالصفح والإعراض عن مكافأة الناس على الأذى :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
بدى را بدى سهل باشد جزا
اكر مردى احسن إلى من اسا
وقيلي لهم من لطم خدك الأيمن قوله خدك الأيسر ومن سلب رداءك فأعطه قميصك
٣٨١
ولم يكن لهم قصاص على جناية في نفس أو طرف فاتبعوا هذه الأوامر وأطاعوا الله وكانوا متوادين ومتراحمين ووصفوا بالرحمة خلاف اليهود الذين وصفوا بالقسوة ﴿وَرَهْبَانِيَّةً﴾ منصوب إما بفعل مضمر يفسره الظاهر أي وابتدعوا أي أتباع عيسى رهبانية ﴿ابتَدَعُوهَا﴾ أي حملوا أنفسهم على العمل بها وإما بالعطف على ما قبلها وابتدعوها صلة لها أي وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عندهم أي وقفيناهم للتراحم بينهم ولابتداع الرهبانية واستحداثها قال في فتح الرحمن المعتزلة تعرب رهبانية على أنها نصب بإضمار فعل يفسره ابتدعوها وليست بمعطوفة على رأفة ورحمة ويذهبون في ذلك إلى أن الإنسان يخلق أفعاله فيعربون الآية على مذهبهم انتهى والرهبانية المبالغة في العبادة بمواصلة الصوم ولبس المسوح وترك أكل اللحم والامتناع عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الغير أن ومعناها العفلة المنسوبة إلى الرهبان بالفتح وهو الخائف فإن ارهبة مخافة مع تحزن واضطراب كما في المفردات فعلان من رهب كخشيان من خشي وقرىء بضم الراء كأنها نسبة إلى الرهبان جمع راهب كراكب وركبان ولعل التردد لاحتمال كون النسبة إلى المفتوح والضم من التغيير النسب يعني أن الرهبان لما كان اسماً لطائفة مخصوصة صار بمنزلة العلم وإن كان جمعاً في نفسه فالتحق بأنصار وإعراب وفرائض فقيل : رهباني كما قيل أنصاري وإعرابي وفرائضي بدون رد الجمع إلى واحده في النسبة وقال الراغب في المفردات : الرهبان يكون واحداً وجمعاف فمن جعله واحداً جمعه على رهابين ورهبانية بالجمع أليق انتهى وهي الخصال المنسوبة إلى الرهبان وسبب ابتداعهم إياها أن الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعد رفع عيسى فقاتلوا ثلاث مرات فقتلوا حتى لم يبق منهم إلا قليل فخافوا أن يفتتنوا في دينهم فاختاروا الرهبانية في قلل الجبال فأرين بدينهم مخلصين أنفسهم للعبادة منتظرين البعثة النبوية التي وعدها لهم عيسى عليه السلام كما قال تعالى : ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد الآية.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤