ـ وروي ـ أن الله لما أغرق فرعون وجنوده استأذن الذين كانوا آمنوا من السحرة موسى عليه السلام في الرجوع إلى الأهل والمال بمصر فأذن لهم ودعا لهم فترهبوا في رؤوس الجبال فكانوا أول من ترهب وبقيت طائفة منهم مع موسى عليه السلام حتى توفاه الله ثم انقطعت الرهبانية بعدهم حتى ابتدعها بعد ذلك أصحاب المسيح عليه السلام ﴿مَا كَتَبْنَـاهَا عَلَيْهِمْ﴾ جملة مستأنفة والنفي متوجه إلى أصل الفعل أي ما فرضنا عليهم تلك الرهبانية في كتابهم ولا على لسان رسولهم ﴿إِلا﴾ استثناء منقطع أي لكن ابتدعوها ﴿ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ أي لطلب رضاه تعالى ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ أي فما رعوا جميعاً حق رعايتها بضم التثليث والقول بالاتحاد وقصد السمعة والكفر بمحمد عليه السلام ونحوها إليه قال عليه السلام : من آمن بي وصدقني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون قال مقاتل : لما استضعفوا بعد عيسى التزموا الغيران فما صبروا وأكلوا الخنازير وشربوا الخمور ودخلوا مع الفساق وفي المناسبات فما رعوها أي لم يحفظها المقتدون بهم بعدهم كما أوجبوا على أنفسهم حق رعايتها أي بكمالها بل قصروا فيها ورجعوا عنها ودخلوا في دين
٣٨٢
ملوكهم ولم يبق على دين عيسى عليه السلام إلا قليل ذمهم الله بذلك من حيث أن النذر عهد مع الله لا يحل نكثه سيما إذا قصد رضاه تعالى ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَـارِهِم﴾ أي من العيسيين إيماناً صحيحاً وهو الإيمان برسول الله عليه السلام بعد رعاية رهبانيتهم لا مجرد رعايتها فإنها بعد البعثة لغو محض وكفر بحت وأنى لها استتباع الأجر قال في كشف الأسرار لما بعث النبي عليه السلام ولم يبق منهم إلا قليل حط رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب الدير وديره فآمنوا به والصومعة كل بناء متصومع الرأس أي متلاصقه والدير خان النصارى وصاحبه ديار ﴿أَجْرَهُمْ﴾ أي ما يحسن ويليق بهم من الأجر وهو الرضوان ﴿وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ﴾ أي من العيسيين وهم الذين ابتدعوا فضيعوا وكفروا بمحمد عليه السلام ﴿فَـاسِقُونَ﴾ خارجون عن حد الاتباع وهم الذين تهودوا وتنصروا قال في تفسير المناسبات وكذلك كان في هذه الأمة فإنه لما توفي رسول الله تبعه خلفاؤه بإحسان فلما مضت الخلافة الراشدة وتراكمت الفتن كما أخبر عليه السلام واشتد البلاء على المتمسكين بصريح الإيمان ورجم البيت بحجارة المنجنيق وهدم وقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه واستبيحت مدينة رسول الله عليه السلام ثلاثة أيام وقتل فيها خيار المسلمين رأى المؤمنين العزلة واجبة فلزموا الزوايا والمساجد وبنوا الربط على سواحل البحر وأخذوا في الجهاد للعدو والنفوس وعالجوا تصفية أخلاقهم ولزموا الفقر أخذاً من أحوال أهل الصفة وتسموا بالصوفية وتكلموا على الورع والصدق والمنازل والأحوال والمقامات فهؤلاء وزان أولئك انتهى وفي الحديث يا ابن أم معبد أتدري ما رهبانية أمتي قلت : الله ورسوله أعلم قال الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
ـ روي ـ أن نفراً من الصحابة رضي الله عنهم أخذهم الخوف والخشية حتى أراد بعضهم أن يعتزل عن النساء وبعضهم الإقامة في رؤوس الجبال وبعضهم ترك الأكل والشرب وبعضهم غير ذلك فنهاهم عليه السلام عن ذلك كله وقال : لا رهبانية في الإسلام وقال رهبانية أمتي في المسجد يعني المتعبدون من أمتي لا يأخذون مأخذ النصارى بل يعتكفون في المساجد دون رؤوس الجبال وقال في نفي صوم الوصال : إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني.
وفي المثنوي :
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ٤١ من صفحة ٣٨٣ حتى صفحة ٣٩٣
هين مكن خودرا خصى رهبان مشو
زانكه عفت هست شهوت راكرو
بى هوا نهى از هوا ممكن نبود
فازيى بر مردكان نتوان نمود
س كلوا از بهر دام شهوتست
بعد ازان لا تسرفوا آن عفتست
ونكه رنج صبر نبود مرترا
شرط نبود س فرونايد جزا
حبذا آن شرط وشادا آن جزا
آن جزاى دلنواز جان فزا
قال الشافعي رحمه الله أربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة : زهد خصى وتقوى جندى وأمانة امرأة وعبادة صبي وهو محمول على الغالب كما في المقاصد الحسنة ثم ذكر لا تنبغي الخلوة والعزلة قال في الأحياء لما بنى عروة قصره بالعقيق وهو كأمير موضع بالمدينة لزومه فقيل له : لزمت
٣٨٣
القصر وتركت مسجد رسول الله فقال : رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية والفاحشة في فجاجكم عالية وما هنالك عما أنتم فيه عافية.


الصفحة التالية
Icon