ـ وحكي ـ أن جماعة من السلف مثل مالك وغيره تركوا إجابة الدعوات وعبادة المرضى والجنائز بل كانوا أحلاس بيوتهم لا يخرجون إلا إلى الجمعة وزيارة القبور وبعضهم فارق الأمصار وانحاز إلى قلل الجبال تفرغاً للعبادة وفراراً من الشواغل واختار جماعة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات في الأسواق والأعياد والمجامع وعجزهم عن التغيير وهذا يقتضي لزوم الهجرة وفي الآية دليل على أن الشروع في نقل العبادة ملزم وإن من شرع فيما ليس عليه ثم تركه استحق اسم الفسق والوعيد فيجب على الناذر رعاية نذره لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه.
ـ وروي ـ عن بعض الصحابة رضي الله عنهم عليكم بإتمام هذه التراويح لأنها لم تكن واجبة عليكم وقد أوجبتموها على أنفسكم فإنكم إن تركتم صرتم فاسقين ثم قرأ هذه الآية وكثير منهم فاسقون.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
يقول الفقير : وهكذا شأن الصلاة المعروفة بالرغائب والبراءة والقدر فإنها ملحقة بالتراويح لكونها من صلاة الليل وقد كانت سنة مسلوكة للعلماء بالله فلا تترك أبداً عند من اعتقد اعتقادهم قال في فتح الرحمن : واختلف الأئمة فما إذا أنشأ صوماً أو صلاة تطوعاً فقال أبو حنيفة : لم يجز له الخروج منه فإن أفسده فعليه القضاء لقوله تعالى : ولا تبطلوا أعمال لكم وقال مالك رحمه الله : كذلك إلا أنه اعتبر العذر فقال : إن خرج منه لعذر فلا قضاء وإلا وجب وقال الشافعي واحمد رحمهما الله متى أنشأ واحداً منهما استحب إتمامه فإن خرج منه لم يجب عليه قضاء على الإطلاق وأما إذا كان التطوع حجاً أو عمرة فيلزم إتمامه أفسده وجب قضاؤه لوجوب المضي في فاسده انتهى.
قال بعض الكبار : جميع ما ابتدع من السنة الحسنة على القربة إلى الله تعالى داخل في الشريعة التي جاءت بها الرسل عن أمر الله قال تعالى : ورهبانية الخ فأقرهم تعالى عليها ولم يعب عليهم فعلها إنما عاب عليهم عدم رعايتهم لها في دوام العمل فقط وخلع عليها اسم البدعة في حقهم بخلاف هذه الأمة خلع على ما استحسنوه اسم السنة تشريفاً لهم كما قال عليه السلام : من سن سنة حسنة وما قال من ابتدع بدعة حسنة فافهم فأجاز لنا ابتداع ما هو حسن وسماه سنة وجعل فيه أجراً لمن ابتدعه ولمن عمل به وأخبر أن العباد له تعالى بما يعطيه نظره إذا لم يكن على شرع من الله معين أنه يحشر أمة وحده بغير إمام يتبعه كما قال تعالى في إبراهيم أن إبراهيم كان أمة قانتاًوذلك لنظره في الأدلة قبل أن يوحى إليه وقال عليه السلام : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فمن كان عليها فهو على شرع من ربه وإن لم يعلم وقال بعضهم : جميع ما ابتدعه العلماء والعارفون مما لم تصرح الشريعة بالأمر به لا يكون بدعة إلا أن خالف صريح السنة فإن لم يخالفها فهو محمود وذلك كحلق الرأس ولبس المرقعات والرياضة بقلة الطعام والمنام والمواظبة على الذكر والجهر به على الهيئة المشهورة ونحو ذلك من جميع أوصافهم فإنها كلها نواميس حكمية لم يجىء بها رسول الله عليه السلام في عموم الناس من عند الله لكونها طريقة أهل الخصوص السالكين طريق الحق وهذه الطريق لا تحتمل العامة الأمر بها ولا تجب هي عليهم فقد علمت أن طريق
٣٨٤