القوم صادرة عن الله ولكن من غير الطريق الصريح النبوي ولولا أنه عليه السلام فتح لأمته باب الاستنان ما اجترأ أحد منهم على أن يزيد حكماً ولا وضعاً ففي الصحيح من سن سنة حسنة فله أجرها وأجز من عمل بها وقال بعضهم : المقصود بالوضع الشرعي الإلهي هو تكميل النفوس علماً أو عملاً وهم أتوا بأمور زائدة على الطريقة النبوية موافقة لها في الغاية والغرض كالأمور التي التزمها الصوفية في هذه الأمة بغير إيجاب من الله كتقليل الطعام وكثرة الصيام والاجتناب عن مخالطة الأنام وقلة المنان والذكر على الدوام وقال بعضهم : ما يصدر عن الواصل من الأفعال شريعة وكذا الباقي فلا بد من الاعتدال ولذلك قال عليه السلام : الشريعة أقوالي والطريقة أطواري والمعرفة رأس مالي والحقية نقد حالي وقال بعضهم : لا تبتدع فيوجب الله ذلك الابتداع عليك وفي شرعنا من سن سنة حسنة فما سماها بدعة فإن شرعنا قد قررها فليشكر الله صاحب هذه البدعة وليلزمها حيث ألحقه تعالى بأنبيائه ورسله وأباح له أن يسن ما سنته الرسل مما يقرب إلى الله تعالى ولا يخفى أن الكامل من عباد الله من سد باب الابتداع ولم يزد في التكاليف حكماً واحداً موافقه لمراد الله ومراد رسول الله من طلب الرفق والرحمة وقال بعضهم : لا تجعل وردك غير ما ورد في الكتاب والسنة تكن من العلماء الأدباء لأنك حينئذ تجمع بين الذكر والتلاوة فيحصل لك أجر التالين والذاكرين فما ترك الكتاب والسنة مرتبة يطلبها الإنسان من خير الدنيا والآخرة إلا وقد ذكرها فمن وضع من الفقراء ورداً من غير الوارد في السنة فقد أساء الأدب مع الله ورسوله إلا أن يكون ذلك بتعريف من الله فيعرفه خصائص كلمات يجمعها فيكون حينئذ ممتثلاً لا مخترعاً وذلك مثل حزب البحر للشاذلي رحمه الله ونحوه فإنه رحمه الله صرح بأنه ما وضع حرفاً منه إلا بإذن الله ورسوله وقال : من دعا بغير ما دعا به رسول الله فهو مبتدع وقال بعضهم : العبد في أداء الفرائض عبد اضطرار وفي فعل النوافل عبد اختيار وعبودية الاضطرار أشرف وأسلم في حقه من عبودية الاختيار لما قد يخطر بباله في عبودية الاختيار من شائبة الامتنان ومن ههنا ترك أكابر الرجال من الملامية فعل النوافل واقتصروا على أداء الفرائض خوفاً من خطور ذلك على قلوبهم فيجرح عبوديتهم وفي الحكم العطائية من علامة اتباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بحقوق الواجبات وهذا حال غالب الخلق إلا من عصمه الله ترى الواحد منهم يقوم بالنوافل الكثيرة ولا يقوم بفرض أحد على وجهه
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} أي بالرسل المتقدمة ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ فيما نهاكم عنه ﴿وَءَامِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ أي بمحمد عليه السلام وفي إطلاقه إيذان بأنه علم فرد الرسالة لا يذهب الوهم إلى غيره ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ﴾ نصيبين وأجرين نقل عن الراغب الكفل الحظ الذي فيه الكفالة كأنه تكفل بأمره والكفلان هما النصيبان المرغوب فيهما بقوله تعالى : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ﴿مِن رَّحْمَتِهِ﴾ از بخشايش خود.
وذلك لإيمانكم بالرسول وبمن قبله من الرسل لكن لا على أن شريعتهم باقية بعد البعثة بل على أنها كانت حقاً قبل النسخ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : الرجل يكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها
٣٨٥
يؤدبها فيحسن تأديبها ثم يعتقها ويتزوجها فله أجران ومؤمن أهل الكتاب الذي كان مؤمناً ثم آمن بالنبي فله أجران والعبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده ولذا بكى بعض العبيد حين أعتق لأنه ذهب أجر النصح لسيده وبقي أجر أداء حق الله :
تادلت هست اسير عشق سليم
مسند تخت سلطنت مطلب
وقال الشيخ سعدي :
اسيرش نخواهد رهايى زبند
شكارش نجويد خلاص از كمند
وقال المولى الجامي :
مريض عشق توون مثائل شفا كردد
اسير قيد توكى طالب نجات شود
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤