﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ يوم القيامة حسبما نطق به قوله تعالى يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم فهو الضياء الذي يمشون به على الصراط إلى أن يصلوا إلى الجنة وذلك لأن جهنم خلقت من الظلمة إذ هي صورة النفس الأمارة وهي ظلمانية فنور الإيمان والتقوى يدفعها ويزيلها ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ما أسلفتم من الكفر والمعاصي فإما حسنات الكفار فمقبولة بعد إسلامهم على ما ورد في الحديث الصحيح ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي مبالغ في المغفرة والرحمة وفيه إشارة إلى مغفرة الذنب الذي هو ملاحظة النفس فإنه من أكبر الذنوب والمعاصي كما قالوا وجودك ذنب لا يقاس عليه ذنب آخر "مصراع" ومرد راه شدى بكذراز سر ودستار ﴿لِّئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ متعلق بمضموم الجملة الطلبية المتضمنة معنى الشرط إذ التقدير أن تتقوا الله وتؤمنوا برسوله يؤتكم كذا وكذا لئلا يعلم الذين لم يسلموا من أهل الكتاب أي ليعلموا ولا مزيدة كهى في ما منعك أن لا تسجد كما ينبىء عنه قراءة ليعلم ولكي يعلم ولأن يعلم بإدغام النون في الياء قال في كشف الأسرار : وإنما يحسن إدخالها في كلام يدخل في أواخره أو أوائله جحد ﴿أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ﴾ أن مخففة من الثقيلة واسمها الذي هو ضمير الشأن محذوف والجملة في حيز النصب على أنها مفعول يعلم أي ليعلمون أنهم لا ينالون شيئاً مما ذكر من فضله من الكفلين والنور والمغفرة ولا يتمكنون من نيله حيث لم يأتوا بشرطه الذي هو الإيمان برسوله ﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ عطف على أن لا يقدرون يعني آفزوني ثواب وجزاء وأمثال آن بدست قدرت خداست ﴿يُؤْتِيهِ﴾ عطا كند ﴿مَن يَشَآءُ﴾ هركرا خواهد.
وهو خبر ثان لأن ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ والعظيم لا بد أن يكون إحسانه عظيماً.
قال الكاشفي : وخداى تعالى خداوند فضل بزركست يعني نعمتي تمام كه خواص وعوام را فرا رسيده :
فيض كرم رساندة از شرق تا بغرب
خوان نعم نهادة ازقاف تابقاف
هستند بيش وكم زنوال تو بهره مند
دارند نيك وبد بعطاء تو اعتراف
وقد جوز أن يكون الأمر بالتقوى والإيمان لغير أهل الكتاب فالمعنى اتقوا الله وأثبتوا على إيمانكم برسول الله يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله تعالى : أولئك يؤتون أجرهم مرتين ولا ينقصكم من مثل أجرهم لأنكم مثلهم في الإيمانين
٣٨٦
لا تفرقون بين أحد من رسله.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
ـ وروي ـ أن مؤمني أهل الكتاب افتخروا على سائر المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين وادعوا الفضل عليهم فنزلت وفي الحديث "إنما مثلنا ومثل الذين أوتوا الكتاب من قبلنا مثل رجل استأجر إجراء فقال : من يعمل إلى آخر النهار على قيراط قيراط فعمل قوم ثم تركوا العمل نصف النهار ثم قال من يعمل نصف النهار إلى آخر النهار على قيراط قيراط فعمل قوم إلى العصر على قيراط قيراط ثم تركوا العمل ثم قال : من يعمل الليل على قيراطين قيراطين فعمل قوم إلى الليل على قيراطين قيراطين فقال الطائفتان الأوليان مالنا أكثر عملاً وأقل أجراً فقال : هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا : لا قال : ذلك فضلي أوتيه من أشاء" ففيه إشارة إلى أن أهل الكتاب أطول زماناً وعمراً وأكثر اجتهاداً وأقل أجراً وهذه الأمة أقصر مدة وأقل سعياً وأعظم أجراً وإلى أن الثواب على الأعمال ليس من جهة الاستحقاق لأن العبد لا يستحق على مولاه بخدمته أجرة بل من جهة الفضل ولله أن يتفضل على من يشاء بما يشاء قال البقلي رحمه الله : اخرج فضله من الاكتساب وعلل الجهد والطلب يؤتى كراماته من يشاء من عباده المصطفين وهو ذو العطاء في الأزل إلى الأبد والفضل العظيم ما لا ينقطع عن المنعم عليه أبداً.
ـ روي ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ويقول إن فيهن آية أفضل من ألف آية ويعني بالمسبحات الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن.
يقول الفقير : إنما أخفى عليه السلام تلك الآية ولم يصرح بها لتجتهد الأمة بتلاوة جميع السور كما أخفى الله ساعة الإجابة وليلة القدر ونحوهما بعثاً للعباد على الاجتهاد وإحياء الليالي.
قال الشيخ سعدي :
وهر كوشه تير نياز افكنى
اميدست نا كه كه صيدى زنى
همه سنكها اس دار اى سر
كه لعل از ميانش نباشد بدر
غم جمله خور در هواى يكى
مراعات صدكن براى يكى
٣٨٧
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
تفسير سورة المجادلة
اثنتان وعشرون آية مدنية
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٧
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨


الصفحة التالية
Icon