﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَـادِلُكَ فِى زَوْجِهَا﴾ سمع مجاز مرسل عن أجاب بعلاقة السببية والمجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة يعني كار براندن باكسى بر سبيل نزاع.
وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه والمراد هنا المكالمة ومراجعة الكلام أي معاودته والمعنى قد أجاب الله دعاء المرأة التي تكالمك في حق زوجها استفتاء وتراجعك الكلام في شأنه وفيما صدر عنه في حقها من ظهاره إياها بغير وجه مشروع وسبب مقبول ﴿وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ﴾ عطف على تجادلك أي تتضرع إلى الله تعالى وتظهر ما بها من المكروه قال في المفردات الشكاية والشكاة والشكوى إظهار البث يقال : شكوت واشتكيت وأصل الشكوى فتح الشكوة وإظهار ما فيها وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء وكان في الأصل استعارة كقولك بثثت له ما في وعائي ونفضت ما في جرابي إذا أظهرت ما في قلبك وفي كشف الأسرار الاشتكاء إظهار ما يقع بالإنسان من المكروه والشكوى إظهار ما يصنعه غيره به وفي تاج المصادر الاشتكاء كله كردن وشكوه كرفتن.
وهي قربة صغيرة المجادلة هي خولة بنت ثعلب بن مالك بن خزاعة الخزرجية وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة روي أنها كانت حسنة البدن رآها أوس وهي تصلي فاشتهى مواقعتها فلما سلمت راودها فأبت وكان به خفة فغضب عليها بمقتضى البشرية وقال : أنت علي كظهر أمي وكان أول ظهار وقع في الإسلام ثم ندم على ما قال بناء على أن الظهار والإيلاء كانا من طلاق الجاهلية فقال لها : ما أظنك إلي وقد حرمت علي فشق ذلك عليها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه فقالت : يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت أبو ولدي وابن عمي وأحب الناس إلى ظاهر مني وما ذكر طلاقاً وقد ندم على فعله فهل من شيء يجمعني وإياه فقال عليه السلام : ما أراك إلا وقد حرمت عليه فقالت : لا تقل ذلك يا رسول الله وذكرت فاقتها ووحدتها بتفاني أهلها وأن لها صبية صغاراً فقالتك إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضممتهم إلى أبيهم ضاعوا فأعاد النبي عليه السلام قوله الأول وهو حرمت عليه فجلت تراجع رسول الله مقالتها الأولى وكلما قال لها رسول الله حرمت عليه هتفت وقالت : أشكوا إلى الله مما لقيت من زوجي حال فاقتي ووحدتي وقد طالت معه صحبتي ونفضت له بطني تريد بذلك أني قد بلغت عنده سن الكبر وصرت عقيماً لا ألف بعد وكانت في كل ذلك ترفع رأسها إلى السماء على ما هو عادة
٣٨٨
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
الناس استنزالاً للأمر الإلهي من جانب العرش وتقول : اللهم أنزل على لسان نبيك فقامت عائشة تغسل الشق الآخر من رأسه عليه السلام وهي ما زالت في مراجعة الكلام مع رسول الله وبث الشكوى إلى الله حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات الأربع سمعاً لدعائها وقبولاً لشكواها فكانت سبباً لظهور أمر الظهار وفي قد إشعار بأن الرسول والمجادلة كانا يتوقعان أن ينزل الله حكم الحادثة ويفرج عنها كربها لأنها إنما تدخل على ماض متوقع ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ﴾ أي يعلم تراجعكما الكلام وتخاطبكما وتجاوبكما في أمر الظار فإن التحاور بمعنى التجاوب وهو رجع الكلام وجوابه يعني يكديكر را جواب دادن.
من الحور بمعنى الرجوع وذلك كان برجوع الرسول إلى الحكم بالحرمة مرة بعد أخرى ورجوع المجادلة إلى طلب التحليل كذلك ومثله المحاورة في البحث ومنه قولهم في الدعاء نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي الرجوع إلى النقصان بعد الوصول إلى الزيادة أو إلى الوحشة بعد الأنس وقال الراغب الحور التردد إما بالذات وإما بالتفكر وقيل : نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه أو من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده وفي نظمها في سلك الخطاب مع أفضل البريات تغليب إذ القياس تحاورها وتحاورك تشريفاً لها من جهتين والجملة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فإن الحافها في المسألة ومبالغاتها في التضرع إلى الله ومدافعته عليه السلام إياها بجماب منبىء عن التوقف وترقب الوحي وعلمه تعالى بحالهما من دواعي الإجابة وفي كشف الأسرار ليس هذا تكراراً لأن الأول لما حكته عن زوجها والثاني لما كان يجري بينها وبين رسول الله لأن الأول ماض والثاني مستقبل ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُا بَصِيرٌ﴾ مبالغ في العلم بالمسموعات والمبصرات ومن قضيته أن يسمع تحاورهما ويرى ما يقارنه من الهيئات التي من جملتها رفع رأسها إلى السماء وسائر آثار التضرع :
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها
يا من إليه المشتكى والمفزع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة
ولئن رددت فأي باب أقرع
حاشى للطفك أن تقنط عاصياً
الفضل أجزل والمواهب أوسع