وفي الآية دليل على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له في مهمه أحد سوى ربه وصدق في دعائه وشكواه كفاه الله ذلك ومن كان أضعف فالرب به ألطف :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
دعاى ضعيفان اميد وار
زبازوى مردى به آيد بكار
وفيها أن من استمع الله ورسوله والورثة إلى كلامه فسائر الناس أولى.
ـ روي ـ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بهذه المرأة في خلافته وهو على حمار والناس معه فاستوففته طويلاً ووعظته وقالت : يا عمر قد كنت تدعى عميراً ثم قيل لك عمر ثم قيل لك أمير المؤمنين فاتق الله يا عمر فإنه من أيقن الموت خاف الفوت ومن أيقن الحساب خاف العذاب وهو
٣٨٩
واقف يسمع كلامها فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف الطويل؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره ما زلت إلا للصلة المكتوبة أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلب سمع الله قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر وهذه الفوقية لا يلزم منها الجهة لأن الله هو العلي المتعال فاعرف ثم إنه من أكبر الذنوب أن يقول الرجل لأخيه اتقي الله فيقول في جوابه عليك نفسك أي الزم نفسك أنت تأمرني بهذا وذلك لأنه إذا ذكر اسم الله يلزم التعظيم له سواء صدر من مسلم أو كافر وأعلم الناس لا يستغنى عن تنبيه وإيقاظ :
بكوى آنه دانى سخن سود مند
وكر هي كس رانيايد سند
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
يقال : اللائق بالعاقل أن يكون كالنحل يأخذ من كل شيء ثم يخرجه عسلاً فيه شفاء من كل داء وشمعاً له منافع لا سيما الضياء فطالب الحكمة يأخذها من كل مقام سواء قعد أو قام "المرء لولا عرفه فهو الدمي.
والمسك فولا عرفه فهو الدم" العرف الأول بالضم بمعنى المعروف والثاني بالفتح الرائحة والدمي بضم الدال وفتح الميم جمع دمية وهي الصورة المنقشة من رخام أو عاج ﴿الَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ مِنكُم﴾ أيها المؤمنون فلا يلحق بهم الذمي لأنه ليس من أهل الكفارة لغلبة جهة العبادة فيها فلا يصح ظهاره ﴿مِن نِّسَآاـاِهِمْ﴾ هذا شروع في بيان الظهار في نفسه وحكمه المترتب عليه شرعاً بطريق الاستئناف والظهار بلغة مصدر ظاهر الرجل أي قال لزوجته : أنت علي كظهر أمي والظهر العضو والجارحة ويعبر عن البطن بالظهر أي أنت علي حرام كبطن أمي فكنى عن البطن بالظهر الذي هو عمود البطن لئلا يذكر ما يقارب الفرج تأدباً ثم قيل ظاهر من امرأته فعدى بمن لتضمين معنى التجنب لاجتناب أهل الجاهلية من المرأة المظاهر منها إذ الظهار طلاق عندهم كما مر في قولهم : آلى منها لما ضمنه من معنى التباعد من الألية بمعنى الحلف وفي القرآن واجنبني وبني أن نعبد الأصنام أي بعدني وإياهم من عبادة الأصنام فمعنى البعد إنما هو في الاجتناب ونحوه المتعدي بمن لان معنى الابتداء الذي هو معنى من لا يخلو عن البعد فإن من معاني عن لا من ثم إنه ألحق الفقهاء بالظهر نحو البطن والفخذ والفرج مما يحرم النظر إليها من الأم فمن قال أنت علي كبطن أمي أو فخذها أو فرجها كان ظهاراً بخلاف مثل اليد أو الرجل وكذا ألحقوا بالأم سائر المحارم فلو وضع المظاهر مكان الأم ذات رحم محرم منه من نسب كالخالة والعمة أو رضاع أو صهر كان ظهاراً مثل أن يقول : أنت عليه كظهر خالتي أو عمتي أو أختي نسباً أو رضاعاً أو كظهر امرأة ابني أو أبي ولو شبهها بالخمر والخنزير أو الدم أو الميتة أو قتل المسلم أو الغيبة أو النميمة أو الزنى أو الريا أو الرشوة فإنه ظهار إذا نوى وفي أنت علي كأمي صح نية الكرامة أي استحقاق البر فلا يقع طلاق ولا ظهار وصح نية الظهار بأن يقصد التشبيه بالأم في الحرمة فيترتب عليه أحكام الظهار لا غير ونية الطلاق بأن يقصد إيجاب الحرمة فإن لم ينو شيئاً لغا وأنت علي حرام كأمي صح فيه ما نوى من ظهار أو طلاق أو إيلاء ولو قال
٣٩٠
أنت أمي أو أختي أو بنتي بدون التشبيه فهو ليس بظهار يعني إن قال : إن فعلت كذا فأنت أمتي وفعلته فهو باطل وإن نوى التحريم ولو قالت لزوجها : أنت علي كظهر أمي فإنه ليس بشيء وقال الحسن إنه يمين وفي إيراد منكم مع كفاية من نسائهم مزيد توبيخ للعرب وتقبيح لعادتهم في الظهار فإنه كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم فلا يليق بهم بعد الإسلام أن يراعوا تلك العادة المستهجنة فكأنه قيل منكم على عادتكم القبيحة المستنكرة ويحتمل أن يكون لتخصيص نفع الحكم الشرعي للمؤمنين بالقبول والاقتداء به أي منكم أيها المؤمنون المصدقون بكلام الله المؤتمرون بأمر الله إذ الكافرون لا يستمعون الخطاب ولا يعملون بالصواب وفى من نسائهم إشارة إلى أن الظهار لا يكون في الأمة ومن ذلك قالوا : إن للظهار ركناً وهو التشبيه المذكور وشرطاً وهو أن يكون المشبه منكوحة حتى لا يصح من الأمة وأهلاً وهو من كان من أهل الكفارة حتى لا يصح للذمي والصبي والمجنون وحكماً وهو حرمة الوطىء حتى يكفر مع بقاء أصل الملك


الصفحة التالية
Icon