﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ أي مبالغ في العفو والمغفرة لما سلف منه على الإطلاق على المذهب الحق أو بالمناب عنه على مذهب الاعتزال وذلك أن ما دون الشرك حكمه موكول إلى مشيئة الله إن شاء يغفره وإن لم يتب العبد عنه وإن شاء يغفره بعد التوبة وأما إذا لم يتب عنه فعذبه عليه فإنما يعذبه على حسب ذنبه لكن الظاهر هنا الحث على التوبة لكون الكلام في دم الظهار وإنكاره ﴿وَالَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ مِن نِّسَآاـاِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ اللام والى يتعاقبان كثيراً نحو يهدي للحق وإلى الحق فالمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر ثم يعودون إلى ما قالوا وإلى ما فات عنهم بسببه من الاستمتاع بالتدارك والتلافي بالتقرر والتكرر ومنه قولهم عاد الغيث على ما أفسد أي تداركه بإصلاح فإفساده إمساكه وإصلاحه إحياؤه ففيه إطلاق اسم السبب على المسبب فإن العود إلى الشيء من أسباب التدارك والوصول إليه فيكون محازاً مرسلاً قال ابن الشيخ العود يستعمل على معنيين أحدهما أن يصير إلى شيء قد كان عليه قبل ذلك فتركه فيكون بمعنى الرجوع إلى ما فارق عنه والآخر أن يصير ويتحول إلى شيء وإن لم يكن على ذلك قبل والعود بهذا المعنى لا يلزم أن يكون رجوعاً إلى ما فارق عنه والعود الذي هو سبب للتدارك والوصول هو العود بهذا المعنى وهو العود إلى شيء مطلقاً فحاصل المعنى ثم يعودون إلى تدارك ما قالوا ودفع ما لزم عليهم به من الفساد من حرمة الحلال ويجوز أن يكون المعنى ثم يريدون العود إلى ما حرموا على أنفسهم بلفظ الظهار من الاستمتاع ففيه تنزيل للقول منزلة المقول فيه ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ التحرير جعل الإنسان حراً وهو خلاف العبد والرقبة ذات مرقوق مملوك سواء كان مؤمناً أو كافراً ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً هندياً أو رومياً فالمعنى فتداركه أو فالواجب إعتاق رقبة أي رقبة كانت وإن كان تحرير المؤمن أولى والصالح أحسن فيعتقها مقروناً بالنية وإن كان محتاجاً إلى خدمتها فلو نوى بعد العتق أو لم ينو لم ينجزىء وإن وجد ثمن الرقبة وهو محتاج إليه فله الصيام كما في الكواشي ولا يجزىء أم الولد والمدبر والمكاتب الذي أدى شيئاً فإن لم يؤد جاز ويجب أن تكون سليمة من العيوب الفاحشة بالإنفاق وعند الشافعي يشترط الإيمان قياساً على كفارة القتل كما قال تعالى فتحرير رقبة مؤمنة قلنا حمل المطلق على المقيد إنما هو عند اتحاد الحادثتين واتحاد الحكم أيضاً وهنا ليس كذلك والفاء للسببية ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار لأن تكرر السبب يوجب تكرر المسبب كقراءة آية السجدة في موضعين فلو ظاهر
٣٩٢
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
من امرأته مرتين أو ثلاثاً في مجلس واحد أو مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا﴾ أي من قبل أن يستمتع كل من المظاهر والمظاهر منها بالآخر جماعاً وتقبيلاً ولمساً ونظراً إلى الفرج بشهوة وذلك لأن اسم التماس يتناول الكل وإن وقع شيء من ذلك قبل التكفير يجب عليه أن يستغفر لأنه ارتكب الحرام ولا يعود حتى يكفر وليس عليه سوى الكفارة الأولى بالإنفاق وإن أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبي حنيفة رحمه الله ولا تسقط الكفارة بل يأتي بها على وجه القضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها فإنه لا يسقط عنه إتيانها بل يلزمه قضاؤها وفي الآية دليل على أن المرأة لا يسعها أن تدع الزوج أن يقربها قبل الكفارة لأنه نهاهما جميعاً عن المسيس قبل الكفارة قال القهستاني لها مطالبة التكفير والحاكم يجبر عليه بالحبس ثم بالضرب فالنكاح باق والحرمة لا تزول إلا بالتكفير وكذا لو طلقها ثم تزوجها بعد العدة أو زوج آخر حرم وطئها قبل التكفير ثم العود الموجب لكفارة الظهار عند أبي حنيفة رحمه الله هو العزم على جماعها فمتى عزم على ذلك لم تحل له حتى يكفر ولو ماتت بعد مدة قبل أن يكفر سقطت عنه الكفارة لفوت العزم على جماعها ﴿ذَالِكُمْ﴾ أي الحكم بالكفارة أيها المؤمنون ﴿تُوعَظُونَ بِهِ﴾ الوعظ زجر يقترن بتخويف أي تزجرون به من ارتكاب المنكر المذكور فإن الغرامات مزاجر من طعاطي الجنايات والمراد بذكره بيان أن المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذي هو علم في استتباع الثواب العظيم بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة ما يوجبه والحاصل أن في المؤاخذة الدنيوية نفعاً لكل من المظاهر وغير المظاهر بأن يحصل للمظاهر الكفارة والتدارك ولغير المظاهر الاحتياط والاجتناب كما قيل :
نرود مرغ سوى دانه فراز
ون دكر مرغ بينداندر بند
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ٤٢ من صفحة ٣٩٣ حتى صفحة ٤٠٤
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨


الصفحة التالية
Icon