﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من جناية الظهار والتكفير ونحو ذلك من قليل وكثير ﴿خَبِيرٌ﴾ أي عالم بظواهرها وبواطنهاومجازيكم بها فحافظوا احدود ما شرع لكم ولا تخلوا بشيء منها ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ أي فالمظاهر الذي لم يجد الرقبة وعجز عنها بأن كان فقيراً وقت التكفير وه من حين العزم إلى أن تقرب الشمس من الغروب من اليوم الأخير مما صام فيه من الشهرين فلا يتحقق العجز الحقيقي إلا به والاعتبار بالمسكن والثياب التي لا بد منها فإن المعتبر في ذلك هو الفضل والذي غاب ماله فهو واجد ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ﴾ أي فعليه صيام شهرين ﴿مُتَتَابِعَيْنِ﴾ ليس فيهما رمضان ولا الأيام الخمسة المحرم وصومها أي يوما العيد وأيام التشريق فيصلهما بحيث لا يفصل يوماً عن يوم ولا شهراً عن شهر بالإفطار فإن أفطر فيهما يوماً أو أكثر بعذر أو بغير عذر استأنف ولم يحسب ما صام إلا بالحيض كما سيجيء ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا﴾ ليلاً أو نهاراً عمداً أو خطأ ولو جامع زوجة أخرى ناسياً لا يستأنف ولو أفطرت المرأة للحيض في كفارة القتل أو الفطر في رمضان لا تستأنف لكنها تصل صومها بأيام حيضها ثم إنه إن صام بالأهلة أجزأه وإن صام ثمانية وخمسين بأن كان كل من الشهرين ناقصاً وإن صامها بغيرها فلا بد من ستين يوماً حتى لو أفطر صبيحة تسعة وخمسين وجب عليه
٣٩٣
الاستئناف ﴿فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ﴾ أي الصيام بسبب من الأسباب كالهرم والمرض المزمن أي الممتد الغير المرجو برؤه فإنه بمنزلة العاجز من كبر السن وإن كان برجي برؤه واشتدت حاجته إلى وطىء امرأته فالمختار أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام ولو كفر بالإطعام ولم ينتظر القدرة على الصام أجزأه ومن الأعذار الشبق المفرط وهو أن لا يصبر على الجماع فإنه عليه السلام رخص للأعرابي أن يعطي الفدية لأجله ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ الإطعام جعله الغير طاعماً ففيه رمز إلى جواز التمليك والإباحة في الكفارة والمسكين ويفتح ميمه من لا شيء له أوله ما لا يكفيه وأسكنه الفقر أي قلل حركته والذليل والضعيف كما في القاموس قال القهستاني في شرح مختصر الوقاية قيد المسكين اتفاقي لجواز صرفه إلى غيره من مصارف الزكاة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
يقول الفقير إنما خص المسكين بالذكر لكونه أحق بالصدقة من سائر مصارف الزكاة كما ينيىء عنه ما سبق آنفاً من تفسير القاموس وإطعام ستين مسكيناً يشمل ما كان حقيقياً وحكمياً بأن يطعم واحداً ستين يوماً فإنه في حكم ستين مسكيناً وإن أعطاه في يوم واحد وبدفعات لا يجوز على الصحيح فيطعم لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره كما في الفطرة والصاع أربعة أمداد ونصفه مدان ويجب تقديمه على المسيس لكن لا يستأنف إن مس في خلاف الإطعام لأن الله تعالى لم يذكر التماس مع الإطعام هذا عند أبي حنيفة رحمه الله وأما عند الآخرين فالإطعام محمول على المقيد في العتق والصيام ويجوز دفع الكفارة لكافر وإخراج القيمة عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً للثلاثة وفي الفقه هذا إذا كان المظاهر حراً فلو كان عبداً كفر بالصوم وإن أعطاه المولى المال وليس له منعه عن الصوم فإن أعتق وأيسر قيل التكفير كفر بالمال ﴿ذَالِكَ﴾ أي ذلك البيان والتعليم للأحكام والتنبيه عليها واقع أو فعلنا ذلك ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ وتعملوا بشرائعه التي شرعها لكم وترفضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم إن قيل إذا كان ترك الظهار مفروضاً فما بال الفقهاء يجعلونه باباً في الفقه أجيب بأن الله وإن أنكر الظهار وشنع على من تعود به من الجاهلين إلا أنه تعالى وضع له أحكاماً يعمل بها من ابتلى به من الغافلين فبهذا الاعتبار جعلوه باباً ليبينوا تلك الأحكام وزادوا قدر ما يحتاج إليه مع أن المحققين قالوا : إن أكثر الأحكام الشريعية للجهاد فإن الناس لو احترفوا عن سوء المقال والفعال لما احتيج إلى تكثير القيل والقال ودلت الآية على أن الظهار أكثر خطأ من الحنث في اليمين لكون كفارته أغلظ من كفارة الحنث واللام في لتؤمنوا للحكمة والمصلحة لأنها إذا قارنت فعل الله تكون للمصلحة لأنه الغني المطلق وإذا قارنت فعل العبد تكون للغرض لأنه المحتاج المطلق فأهل السنة لا يقولون لتلك المصلحة غرضاً إذ الغرض في العرف ما يستكمل به طالبه استدفاعاً لنقصان فيه يتنفر عنه طبعه والله منزه عن هذا بلا خلاف والمعتزلة يقولون بناء على أنه هو الشيء الذي لأجله يراد المراد ويفعل عندهم ولو قلنا بهذا المعنى لكنا قائلين بالغرض وهم لو قالوا بالمعنى لما كنا قائلين به ﴿وَتِلْكَ﴾ إشارة الأحكام المذكورة من تحريم الظهار وإيجاب العتق للواجد وإيجاب الصوم لغير الواجد إن استطاع وإيجاب الإطعام لمن لم يسطع
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ التي لا يجوز
٣٩٤


الصفحة التالية
Icon