وأذله قال ابن الشيخ وهو يصلح لأن يكون دعاء عليهم وأخباراً عما سيكون بالماضي لتحققه أي سيكبتون ويدخل فيهم المنافقون والكافرون جميعاً أما الكافرون فمحادتهم في الظاهر والباطن وأما المنافقون ففي الباطن فقط ﴿كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من كفار الأمم الماضية المعادين للرسل عليهم السلام مثل أقوام نوح وهود وصالح وغيرهم.
وكان السري رحمه الله يقول : عجبت من ضعيف عصى قوياً فيقال له : كيف ذلك ويقول وخلق الإنسان ضعيفاً ﴿وَقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَـاتا بَيِّنَـاتٍ﴾ حال من واو كبتو أي كبتوا أي كبتوا لمحادتهم والحال إنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسوله ممن قبلهم من الأمم وفيما فعلنا بهم أو آيات بينات تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به والسؤال بأن الإنزال نقل الشيء من الأعلى إلى الأسفل وهو إنما يتصور في الأجسام ولآيات التي هي من الكلام من الإعراض الغير القارة فكيف يتصور الإنزال فيها مجاب عنه بأن المراد منه إنزال من يتلقف من الله ويرسل إلى عباده تعالى فيسند إليها مجازاً لكونها المقصودة منه أو المراد منه الإيصال والإعلام على الاستعارة ﴿وَلِلْكَـافِرِينَ﴾ بتلك الآيات أو بكل ما يجب الإيمان به ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ يذهب بعزهم وكبرهم منا لإهانة بمعنى التحقير والمراد عذاب الكبت الذي هو في الدنيا فيكون ابتداء كلام أو عذاب الآخرة فيكون للعطف بمعنى أن لهم الكبت في الدنيا ولهم عذاب مهين في الآخرة فهم معذبون في الدارين قال بعضهم : وصف الله العذاب الملحق بالكافرين أولاً بالإيلام وثانياً بالإهانة لأن الإيلام يلحق بهم أولاً ثم يهانون به وإذا كانت الإهانة ما في الآخرة فالتقديم ظاهر وقد سبق غير هذا وفي الآية إشارة إلى أن من يعادون مظاهر الله وهم الأولياء المتحققون بالله المجتمعون بأسماء الله ويشاققون مظاهر رسوله وهم العلماء القائمون بأحكام الشرائع حجوا وأفحموا بأبلغ الحجج وأظهر البراهين من الكرامات الظاهرة ونشر العلوم الباهرة وكيف لا وقد أنزلنا بصحة ولا يتهم وآثار وراثتهم آيات بينات فمن سترها بستائر ظلمات إنكاره قله عذاب القطيعة الفظيعة والإهانة من غير إبانة
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ منصوب باذكر المقدر تعظيماً لليوم وتهويلاً له والمراد يوم القيامة أي يحييهم الله بعد الموت للجزاء ﴿جَمِيعًا﴾ أي كلهم بحيث لا يبقى منهم أحد غير مبعوث فيكون تأكيداً للضمير أو مجتمعين في حالة واحدة فيكون حالاً منه ﴿فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا﴾ من القبائح ببيان صدورها منهم أو بتصويرها في تلك النشأة بما يليق بها من الصور الهائلة على رؤوس الاشهاد وتخجيلاً لهم وتشهيراً لحالهم وتشديداً لعذابهم واإلا فلا فائدة في نفس الأنباء لينبهوا على ما صدر منهم ﴿أَحْصَـاـاهُ اللَّهُ﴾ كأنه قيل كيف ينبئهم بأعمالهم وهي أعراض منقضية متلاشية فقيل : إحصاه الله أي أحاط به عدداً وحفظه كما عمله لم يفت منه شيء ولم يغب قال الراغب : الإحصاء التحصيل بالعدد يقال أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه لأنهم كانوا يعتمدون اعتماد نافيه على الأصابع وقال بعضهم : الإحصاء عد بإحاطة وضبط إذ أصله العدد بآحاد الحصى للتقوى في الضبط فهو أخص من العد لعدم لزوم الإحاطة فيه ﴿وَنَسُوهُ﴾
٣٩٧
والحال أنهم قد نسوه لكثرته أو لتهاونهم حين ارتكبوه لعدم اعتقادهم ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ لا يغيب عنه أمر من الأمور فالشهيد بمعنى الشاهد من الشهود بمعنى الحضور وكفته اندركواهست ومناسب آن مكافات خواهد فرمود وكسى كواهى اورد نتواند كرد :
حاكم ز حكم دم نزندكر كواه نيست
حاكم كه خود كواه بود قصه مشكلست
فلا بد من استحضار الذنوب والبكاء عليها وطلب التوبة من الله الذي يحصى كل شيء ولا ينساه قبل أن يجيىء ثوم يفتضح فيه المصر على رؤوس الإشهاد ولا يقبل الدعاء والمعذرة من العباد.
واعلم أن القول بأنه تعالى شهيد قول بأنه حاضر لكن بالحضور العلمي لا بالحضور الجسماني فإنه منزه عن ذلك فقول من قال الله حاضر محمول على الحضور العلمي فلا وجه لا كفار قائله مع وجوده في القرآن ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ﴾ استشهاد على شمول شهوده تعالى والهمزة للإنكار المقرر بالرؤية لما أن الإنكار نفي معنى ونفي النفي يقرر الإثبات فتكون الرؤية ثابتة مقررة والخطاب للرسول عليه السلام أو لكل من يستحق الخطاب والمعنى ألم تعلم علماً يقينياً بمرتبة المشاهدة إنه تعالى يعلم ما في السموات وما في الأرض من الموجودات سواء كان ذلك بالاستقرار فيهما أو بالجزئية منهما.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨


الصفحة التالية
Icon