ـ روي ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية كانوا يوماً يتحدثون فقال أحدهم : أترى الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر يعلم بعضاً وقال الثالث إن كان يعلم بعضه فهو يعلم كله وصدق لأن من علم بعض الأشياء بغير سبب فقط علمها كلها لأن كونه عالماً بغير سبب ثابت له مع كل معلوم فنزلت الآية ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَـاثَةٍ﴾ ما نافية ويكون تامة بمعنى يوجع ويقع ومن مقحم ونجوى فاعله وهو مصدر بمعنى التناجي كالشكوى بمعنى الشكاية يقال نجاه نجوى ونجوى ساره كناجاه مناجاة والنجوى السر الذي يكتم اسم ومصدر كما في القاموس وأصله أن تخلو في نجوة من الأرض أي مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله كأن المتنجاي بنجوة من الأرض لئلا يطلع عليه أحد والمعنى ما يقع من تناجي ثلاثة نفر ومسارتهم فالنجوى مصدر مضاف إلى فاعله ﴿إِلا هُوَ﴾ أي الله تعالى ﴿رَابِعُهُمْ﴾ أي جاعلهم أربعة من حيث أنه تعالى يشاركهم في الاطلاع عليها كما قال الحسين النوري قدس سره : إلا هو رابعهم علماً وحكاً لا نفساً وذاتاً وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما يوجد في حال ما إلا في هذه الحال وفي الكلام اعتبار التصيير قال النصر أبادي : من شهد معية الحق معه زجره عن كل مخالقة وعن ارتكاب كل محذور ومن لا يشاهد معيته فإنه متخط إلى الشبهات والمحارم ﴿وَلا خَمْسَةٍ﴾ أي ولا نجوى خمسة نفر ﴿إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ أي إلا وهو تعالى جاعلهم ستة في الاطلاع على ما وقع بينهم وتخصيص العددين بالذكر لخصوص الواقعة لأن المنافقين المجتمعين في النجوى كانوا مرة ثلاثة وأخرى خمسة ويقال إن التشاور غالباً إنما يكون من ثلاثة إلى ستة ليكونوا أقل لفظاً وأجدر رأياً وأكتم سراً ولذا ترك عمر رضي الله عنه حين علم بالموت أمر الخلافة شورى بين ستة أي على أن يكون أمر الخلافة بين ستة ومشاورتهم واتفاق رأيهم وفي الثلاثة إشارة إلى الروح والسر والقلب وفي الخمسة إليها بإضافة
٣٩٨
النفس والهوى ثم عمم الحكم فقال :﴿وَلا أَدْنَى مِن ذَالِكَ﴾ أي أقل مما ذكر كالاثنين والواحد فإن الواحد أيضاً يناجي نفسه وبالفارسية وبه كمتر باشد ازسه عدد ﴿وَلا أَكْثَرَ﴾ كالستة وما فوقها ﴿إِلا هُوَ مَعَهُمْ﴾ أي الله مع المتناجين بالعلم والسماع يعلم ما يجري بينهم ولا يخفى عليه ما هم فيه فكأنه مشاهدهم ومحاضرهم وقد تعالى عن المشاهدة والحضور معهم حضوراً جسمانياف ﴿أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ أي في أي مكان كانوا منا لأماكن ولو كانوا تحت الأرض فإن علمه تعالى بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة قرباً وبعداً :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
أين معيت درنيابد عقل وهوش
زين معيت دم مزن بنشين خموش
قرب حق بابنده دورست از قياس
بر قياس خود منه آنرا اساس
قال بعض العارفين : اكر مؤمنان امت احمدوا خود اين تشريف يودى كه رب العالمين درين سوره ميكويد كه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم إلى قوله هو معهم تمام بودى أصحاب كهف را باجلال رتبت ايشان وكمال منزلت ميكويد.
ثلاثة رابعهم كلبهم ويوقولن خمسة سادسه كلبهم فانظر كم من فرق بين من كان الله رابعهم وسادسهم وبين من كان أخس الحيوانات رابعهم وسادسهم وحظية المؤمن من المعية أن يعلم أن الخير في أن يكون جليسه صالحاً وكلامه نافعاً ولا يتكلم بما لا طائل تحته فيكون عيباً في صحيفته وعبثاً في صحبته ومعية الله تعالى على العموم كما صرح به قوله تعالى : وهو معكم أينما كنتم ثم إنه قد يكون له تعالى معية مخصوصة ببعض عباده بحسب فيضه وإيصال لطفه إليه ونحو ذلك ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا﴾ أي يخبرهم بالذي عملوه في الدنيا ﴿يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ تفضيحاً لهم وإظهاراً لما يوجب عذابهم ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ﴾ لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل سواء يعني نسبت علم أو باهمه معلومات يكسانست حالات أهل آسمانرا نان داندكه حالات اهل زمين را وعلم أو بمخفيات أمور بدان وجه احاطه كندكه بجليات :
نهان وآشكارا هردو يكسانست بر علمت
نه اين رازود تربينى نى آنرا ديد تردانى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨