﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ﴾ جواب للأمر أي من فعل ذلك طاعة للأمر وتوسعة للإخوان يرفعهم الله بالنصر وحسن الذكر في الدنيا والإيواء إلى غرف الجنان في الآخرة لأن من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه فالمراد الرفعة المطلقة الشاملة للرفعة الصورية والمعنوية ﴿وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أي ويرفع العلماء منهم خاصة فهو من عطف الخاص على العام للدلالة على علو شأنهم وسموا مكانهم حتى كأنهم جنس آخر ﴿دَرَجَـاتٍ﴾ أي طبقات عالية ومراتب مرتفعة بسبب ما جمعوا من العلم والعمل فإن العلم لعلو درجته يقتضي للعمل المقرون به مزيد رفعة لا يدرك شاءوه العمل الغاري عنه وإن كان في غاية الصلاح ولذا يقتدي بالعالم في أفعاله ولا يقتدي بغيره فعلم من هذا التقرير
٤٠٣
أنه لا شركة للمعطوف عليه في الدرجات كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ثم الكلام عند قوله منكم وينتصب الذين أوتوا العلم بفعل مضمر أي ويرفعهم درجات وانتصاب درجات إما على إسقاط الخافض أي إلى درجات أو على المصدرية أي رفع درجات فحذف المضاف أو على الحالية من الموصول أي ذوي درجات ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي بعلمكم أو بالذي تعملونه ﴿خَبِيرٌ﴾ عالم لا يخفى عليه شيء منه لا ذاته جنساً أو نوعاً ولا كيفيته إخلاصاً أو نفاقاً أو رياء أو سمعة ولا كميته قلة أو كثرة فهو خبير بتفسحكم ونشزكم ونيتكم فيهما فلا تضيع عند الله وجعله بعضهم تهديداً لمن يمتثل بالأمر أو استكرهه فلا بد من التفسح والطاعة وطلب العلم الشريف ويعلم من الآية سر تقدم العالم غلى غيره في المجالس والمحاضر لأن الله تعالى قدمه وأعلاه حيث جعل درجاته عالية وفي الحديث "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" أي فضل العالم الباقي بالله على العابد الفاني في الله كما في التأويلات النجمية وقال في عين المعاني : المراد علم المكاشفة في ما ورد فضل العالم على العابد كفضلي على أمتي إذ غيره وهو علم المعاملة تبع للعمل لثبوته شرطاً له إذ العمل إنما يتعد به إذا كان مقروناً بعلم المعاملة قال بعضهم : المتعبد بغير علم كحمار الطاعونة يدور ولا يقطع المسافة :
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ٤٣ من صفحة ٤٠٤ حتى صفحة ٤١٤
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
علم ندانكه بيشترتى خوانى
ون عمل در تونيست ناداني
وحيث يمدح العلم فالمراد به العلم المقرون بالعمل :
رفعت آدمى بعلم بود
هركرا علم بيش رفعت بيش
قيمت هركسى بدانش اوست
سازدا فرون بعلم قيمت خويش
وقال بعضهم :
مرا بتجربه معلوم كشت آخر حال
كه عزمرد بعلم است وعز علم بمال
وعن بعض الحكماء ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم وأي شيء فات من أدرك العلم وكل علم لم يوطد بعمل فإلى ذل يصير وعن الزهري رضي الله عنه العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال قال مقاتل : إذا انتهى المؤمن إلى باب الجنة يقال له لست بعالم ادخل الجنة بعملك ويقال للعالم قف على باب الجنة واشفع للناس وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : لأن أعلم مسألة أحب إلي من أن أصلي مائة ركعة ولأن أعلم مسألة أحب إلى من أن أصلي أرف ركعة قال أبو هريرة : وأبو ذر رضي الله عنهما : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : إذا جاء الموت طالب العلم على هذه الحال مات وهو شهيد.
واعلم أن جميع الدرجت إما باعتبار تعدد أصحابها فإن لكل عالم رباني درجة عالية أو باعتبار تعددها لقوله عليه السلام : بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجة حضر الجواد المضمر سبعين سنة الحضر بضم الحاء المهملة ارتفاع الفرس في عدوه والجواد الفرس السريع السير وتضمير الفرس أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده إلى القوت وذلك في أربعين يوماً والمضمار الموضع يضمر فيه الخيل وغاية الفرس في السباق يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} بالإيمان الخالص ﴿إِذَا نَـاجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾ المناجاة باكسى راز كفتن.
أي إذا كالمتموه سراً في بعض شؤونكم المهمة الداعية إلى مناجاته عليه السلام
٤٠٤
ومكالمته سراً بالفارسية : ون خواهيدكه راز كوييد يا رسول وفي بعض التفاسير إذا كالمتموه سراً استفسار الحال ما يرى لكم من الرؤيا ففيه إرشاد للمقتدين إلى عرضها على المقتدى بهم ليعبروها لهم ومن ذلك عظم اعتبار الواقعات وتعبيرها بين أرباب السلوك حتى قيل إن على المريد أن يعرض واقعته على شيخه سواء عبر الشيخ أو لم يعبر فإن الله تعالى قال : إن الله تعالى يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها وهي من جملة الأمانة عند المريد لا بد أن يؤديها إلى الشيخ لما فيها من فائدة جليلة له وقوة لسلوكه وفي التعبير أثر قوي على ما قال عليه السلام الرؤيا على ما أولت
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨