﴿فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاـاكُمْ صَدَقَةً﴾ أي فتصدقوا قبلها على المستحق كقول عمر رضي الله عنه : أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته فهو مستعار ممن له يدان على سبيل التخييل فقوله : نجواكم استعارة بالكناية وبين يدي تخييلية وفي بعض التفاسير إذا أردتم عرض رؤياكم عليه ليعبرها لكم فتصدقوا قبل ذلك بشيء ليكون ذلك قوة لكم ونفعاً في أموركم والآية نزلت حين أكثر الناس عليه السؤال حتى أسأموه وأملوه فأمرهم الله بتقديم الصدقة عند المناجاة فكف كثير من الناس أما الفقير فلعسرته وأما الغني فلشحه وفي هذا الأمر تعظيم الرسول ونفع الفقراء والزجر عن الإفراط في السؤال والتمييز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا واختلف في أنه للندب أو للوجوب لكنه نسخ بقوله تعالى : أشفقتم الآية وهو وإن كان متصلاً به تلاوة لكنه متراخ عنه نزولاً على ما هو شأن الناسخ واختلف في مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ فقيل : كان ساعة من النهار والظاهر أنه عشرة أيام لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان لي دينار فصرفته وفي رواية فاشتريت به عشرة دراهم فكنت إذا جانيته عليه السلام تصدقت بدرهم يعني كنت أقدم بين يدي نجواي كل يوم درهماً إلى عشرة أيام وأسأله خصلة من الخصال الحسنة كما قال الكلبي تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله عليه السلام وهو على القول بالوجوب محمول على أنه لم يتفق للأغنياء مناجاة في مدته وهي عشرة أيام في بعض الروايات إما لعدم المحوج إليها أو الإشفاق وعلى التقديرين لا يلزم مخالفة الأمر وإن كان للإشفاق وفي بعض التفاسير ولا يظن ظان أن عدم عمل غيره من الصحابة رضي الله عنهم بهذا لعدم الإقدام على التصدق كلا كيف ومن المشهور صدقة أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما بألوف من الدراهم والدنانير مرة وحدة فهلا يقدم من هذا شأنه على تصدق دينار أو دينارين وكذا غيرهما فلعله لم يقع حال اقتضت النجوى حينئذ وهذا لا ينافي الجلوس في مجلسه المبارك والتكلم معه لمصلحة دينية أو دنيوية بدون النجوى إذ المناجاة تكلم خاص وعدم الخاص لا يقتضي عدم العام كما لا يخفى وعن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت الآية دعاني رسول الله فقال : ما تقول في دينار؟ قلت : لا يطيقونه قال : فنصل دينار قلت : لا يطيقونه قال : فكم قلت حبة أو شعيرة؟ قال : إنك لزهيد أي رجل قليل المال لزهدك فيه فقدت على حالك وما في بالك
٤٠٥
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
من الشفقة على المؤمنين وقوله حبة أو شعيرة أي مقدارها من ذهب وعن ابن عمر رضي الله عنه كان لعلي رضي الله عنه ثلاث : لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة رضي الله عنها وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى قوله حمر النعم بسكون ميم الحمر وهي من أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وإنه ليس هناك أعظم منه قال بعضهم : إن رسم النثارات للملوك والرؤساء مأخوذ من أدب الله تعالى في شأن رسوله حيث قال : يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴿ذَالِكَ﴾ التصدق ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أيها المؤمنون من إمساكه وبالفارسية بهترست مرشمارا زيراكه طاعت بيفزايد ﴿وَأَطْهَرُ﴾ لأنفسكم من دنس الريبة ودرن البخل الناشيء من حب المال الذي هو من أعظم حب الدنيا وهو رأس كل خطيئة وبالفارسية واكيزه تر براى آنكه كناهان محو كند.
وهذا يشعر بالندب لكن قوله تعالى :﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ منبىء عن الوجوب لأنه ترخيص لمن لم يجد في المناجاة بلا تصدق والمعنى بالفارسية س اكر نيابيد يزى كه صدقه دهيد س خداى تعالى آمر زنده است مركسى راكه اين كناه كند مهر بانست بنده راكه تكليف ما لا يطاق ننمايد.
قال بعض أهل الإشارة : إن الله تعالى أدب أهل الإرادة بهذه الآية أن لا يناجوا شيوخهم في تفسير الإلهام واستفهام علم المكاشفة والأسرار إلا بعد بذل وجودهم لهم والإيمان بهم بشرط المحبة والإرادة فإن الصحة بهذه الصفة خير لقلوبهم وأظهر لنفوسهم فإن ضعفوا عن بعض القيام بحقوقهم ومعهم الإيمان والإرادة وعلموا قصورهم في الحقيقة فإن الله تعالى يتجاوز عن ذلك التقصير وهو رحيم بهم يبلغهم إلى درجة الأكابر.
قال المولى الجامي :
ه سود اى شيخ هرساعت فزون خرمن طاعت
و نتوانى كه يك جواز وجود خويشتن كاهى