وجميعاً حال من ضميرالمفعول بمعنى مجموعين ﴿فَيَحْلِفُونَ﴾ في ذلك اليوم وهو يوم القيامة ﴿لَهُ﴾ أيتعالى على أنهم مسلمون مخلصون كما قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴿كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ في الدنيا ﴿وَيَحْسَبُونَ﴾ في الآخرة مصدره الحسبان وهو أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الأصبع ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك ويقاربه الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما الآخر ﴿إِنَّهُمْ﴾ بتلك الأيكان الكاذبة ﴿عَلَى شَىْءٍ﴾ من جلب منفعة أو دفع مضرة كما كانوا عليه في الدنيا حيث كانوا يدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم ويستجرون بها فوائد دنيوية ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَـاذِبُونَ﴾ المبالغون في الكذب إلى غاية لا مطمح وراءها حيث تجاسروا على الكذب بين يدي علام الغيوب وزعموا أن أيمانهم الفاجرة تروج الكذب لديه كما تروجه عند الغافلين وألا حرف تنبيه والمراد التنبيه على توغلهم في النفاق وتعودهم به بحيث لا ينفكون عنه موتاً ولا حياة ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وأنهم لكاذبون ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَـانُ﴾ من حذت الإبل إذا استوليت عليها وجمعتها وسقتها سوقاً عنيفاً أي استولى عليهم الشيطان وملكهم لطاعتهم له في كل ما يريد منهم حتى جعلهم رعيته وحزبه وهو مما جاء على الأصل كاستصوب واستنوق أي على خلاف قياس فإن القياس أن يقال استحاذ فهو فصيح استعمالاً وشاذ قياساً.
ـ وحكي ـ إن عمر رضي الله عنه قرأ استحاذ ﴿فَأَنسَـاـاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ المصدر مضاف إلى المفعول أي كان سبباً بالاستيلاء لنسيانه تعالى فلم يذكره بقلوبهم ولا بألسنتهم ﴿أولئك﴾ المنافقون الموصوفون بما ذكر من القبائح ﴿حِزْبُ الشَّيْطَـانِ﴾ أي جنوده وأتباعه الساعون فيما أمرهم به والحزب الفريق الذي يجمعه مذهب واحد ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَـانِ هُمُ الْخَـاسِرُونَ﴾ أي الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم قال بعض المشايخ بوأه الله الدرجات الشوامخ علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والملابس ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمه عليه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب واللغو والغيبة والبهتان وسمعه عن الحق
٤٠٩
بسماع اللهو والهذيان قال بعض أهل الإشارة إذا أراد الشيطان أن ينبت في سبخة أرض النفس الأمارة حنظل الشهوة يثب إليها ويغريها على إنفاذ مرادها فتكون النفس مركبة فيهجم إلى بلد القلب ويخربه بأن يدخل فيه ظلمة الطبيعة فلا ترى عين القلب مسلك الذكر وصفاته فلما احتجب عن الذكر صار وطن إبليس وجنوده وغلب الملعون عليه وهذا يكون بإرادة الله تعالى وسببه استحواذ غرور الملعون وتزيينه بأن يلبس أمر الدين بأمر الدنيا ويغويه من طريق العلم فإذا لم يعرف دقائقه صار قرينه والشيطان دون الملك والرحمن إذ لا يجتمع الحق مع الباطل :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
نظر دوست نادر كند سوى تو
و در روى دشمن بود روى تو
ندانى كه كمترنهد دوست اي
و بيند كه دشمن بود در سراى
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي يعادونهما ويخالفون أمرهما يوتعدون حدودهما ويفعلون معهما فعل من ينازع آخر في أرض فيغلب على طائفة منها فيجعل لها حداً لا يتعداه خصمه ولما كانوا لا يفعلون ذلك إلا لكثرة أعوانهم وأتباعهم فيظن من رآهم أنهم الأعزاء الذين لا أحد أعز منهم قال تعالى : نفياً لهذا الغرور الظاهر ﴿أولئك﴾ الأباعد والأسافل بما فعلوا من المحادة ﴿فِى الاذَلِّينَ﴾ أي في جملة من هو أذل خلق الله من الأولين والآخرين لا ترى أحداً أذلن منهم لأن ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة من يحاده كذلك وذلك بالسبي والقتل في الدنيا وعذاب الناري في الآخرة سواء كانوا فارس والروم أو أعظم منهم سوقة كانوا أو ملوكاً كفرة كانوا أو فسقة ﴿كَتَبَ اللَّهُ﴾ استئناف وارد لتعليل كونهم في الأذلين أي قضى وأثبت في اللوح وحيث جرى ذلك مجرى القسم أجيب بما يجاب به ﴿لاغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِى﴾ أكده لما لهم من ظن الغلبة بالكثرة والقوة والمراد الغلبة بالحجة والسيف أو بأحدهما والغلبة بالحجة ثابتة لجميع الرسل لأنهم الفائزون بالعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة وأما الغلبة بالسيف فهي ليست بثابتة للجميع لأنهم منهم من لم يأمر بالحرب قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين : من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة وإذا انضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف كان أقوى :
محالست ون دوست دارد ترا
كه دردست دشمن كذارد ترا