وعن مقاتبل أنه قال المؤمنون لئن فتح الله لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال رئيس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها والله إنهم لأكثر عدد وأشد بطشاً من أن تظنوا فيهم ذلك فنزل قوله تعالى : كتب الله الآية قال البقلي رحمه الله : كتب الله على نفسه في الأزل أن ينصر أولياءه على أعطائه من شياطين الظاهر والباطن ويعطيهم رايات نصرة الولاية فحيث تبدو راياتهم التي هي سطوع نور هيبة الحق من وجوههم صار الأعداء مغلوبين بتأييد الله ونصرته قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله أهل الحق لهم الغلبة أبداً ورايات الحق تسبق رايات غيره جميعاً لأن الله تعالى جعلهم أعلاماً في خلقه وأوتاداً في أرضه ومفزعاً لعباده وعمارة لبلاده
٤١٠
فمن قصدهم بسوء كبه الله لوجهه وأذله في ظاهر عزه ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ تعليل للقهر والغلبة أده لأن أفعالهم مع أوليائه أفعال من يظن ضعفه ﴿قَوِىٌّ﴾ على نصر أنبيائه قال بعضهم : القوي هو الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا يمسه نصب ولا تعب ولا يدركه قصور ولا عجزي نقض ولا إبراهيم والقوة في الأصل عبارة عن شدة النبية وصلابتها المضادة للضعف ويراد بها القدرة بالنسبة إلى الله تعالى ﴿عَزِيزٌ﴾ لا يغلب عليه في مراده :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
حكمي كه آن زباركه كبريا بود
كس را دران مجال تصرف كجا بود
فإن قلت : فإذا كان الله قوياً عزيزاً غير عاجز فما وجه انهزام المسلمين في بعض الأحيان وقد وعد النصرة قلت : إن النصرة والغلبة منصب شريف فلا يليق بالكافر لكن الله تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين لأنه لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الضروري بأن الإيمان حق وما سواه باطل ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان وأخرى على أهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله ولأن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي فيكون تشدد المحنة عليه في الدنيا تمحيصاً لذنوبه وتطهيراً لقلبه وأما تشديد المحنة على الكافر فهو من قبيل الغضب ألا ترى أن الطاعون مثلاً رحمة للمؤمنين ورجز للكافرين وما من سابق عدل إلا له لا حق فضل ولا سابق فضل ءلا له لا حق عدل غير أن أثري العدل والفضل قد يتعلقان بالبواطن خاصة وقد يتعلق أحدهما بالظاهر والآخر بالباطن وقد يكون اختلاف تعلقهما في حالة واحدة وقد يكون على البدل وعلى قدر تعلق الأثر السابق يكون تعلق الأثر اللاحق وقد أجرى الله سبحانه آثار عدله على ظواهر أصفيائه دون بواطنهم ثم عقب ذلك بإيراد آثار فضله على بواطنهم وظواهرهم حتى صار من قاعدة الحكمة الإلهية تفويض ممالك الأرض للمستضعفين فيها كالنجاشي حيث بيع في صغره وذلك كثير موجود باستقراء فمن كمال تربية الحكيم لمن يريد إعلاء شأنهم أن يجري على ظاهرهم من آثار العدل ما فيه تكميل لهم وتنوير لمداركهم وتطهير لوجودهم وتهذيب وتأديب إلى غير ذلك من فوائد التربية ومن تتبع أحوال الأكابر من آدم عليه السلام وهلم جرا رأى من أحسن بلاء الله ما يشهد لما قرر بالصحة والمبتلى به يصير على ذلك بل يتلذف كما هو شأن الكبار :
هره از دست توايد خوش بود
كرهمه درياى ر آتش بود
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
وفي الآية إشارة إلى أعداء النفوس الكافرة فإنها تحمل القلوب والأرواح على مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة وتمحو الذكر من ألواحها بغلبة محبة الدنيا وشهواتها لكن الله تعالى ينصرها ويؤيدها حتى تغلب على النفوس الكافرة بسطوات الذكر فيحصل لها غاية الذلة كأهل الذمة في بلدة المسلمين وذلك لأن الله تعالى كتب في صحائف الاستعدادات غلبتها على النفوس وذلك من باب الفضل والكرم ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ الخطاب للنبي عليه السلام أو لكل أحد وتجد إما متعد إلى اثنين فقوله تعالى :
٤١١