مسكناً ثم تجوز به فقيل درع حصينة لكونها حصناً للبدن وفرس حصان لكونه حصناً لراكبه والمعنى ظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله وقهره وقدم الحبر وأسند الجملة إلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالي بسببها فتقديم المسند يفيد قصر المسند إليه على المسند فإن معنى قائم زيد أن زيداً مقصور على القيام لا يتجاوزه إلى القعود وكذا معنى الآيتان حصونهم ليس لها صفة غير المانعية ويجوز أن يكون مانعتهم خيراً لأن وحصونهم مرتفعاً على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ فإن قيل ما المانع من جعل مانعتهم مبتدأ وحصونهم خيراً فإن كليهما معرفة قلت كون مانعتهم نكرة لأن إضافتها غير مخصصة وإن القصد إلى الإخبار عن الحصون ﴿فَأَتَـاـاهُمُ اللَّهُ﴾ أي أمر الله وقدره المقدور لهم ﴿مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب من الأشرف غرة على يد أخيه فإنه مما أضعف قوتهم وقل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب والفاء إما للتعقيب إشارة إلى أن البأس لم يكن متراخياً عن ظنهم أو للسبب إشارة إلى أنهم إنما أخذوا بسبب إعجابهم بأنفسهم وقطعهم النظر إلى قدرة الله وقوته ﴿وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ القذف الرمي البعيد والمراد هنا الإلقاء قال في الكشاف قذف الرعب إثباته وركزه ومنه قالوا في صفة الأسد مقذف لما أن قذف باللحم قذفاً لاكتنازه وتداخل أجوائه والرعب الانقطاع من امتلاء الخوف ولتصور الامتلاء منه قيل رعبت الحوض أي ملأته وباعتبار القطع قيل رعبت السنام أي قطعته قال بعضهم : الرعب خوف يملأ القلب فيغير العقل ويعجز النفس ويشوش الرأي ويفرق التدبير ويضر البدن والمعنى أثبت فيها الخوف الذي يرعبها ويملأها لأن المعتبر هو الثابت وما هو سريع الزوال فهو كغير الواقع وقال بعضهم : فلا يلزم التكرار لأن الرعب الذي اشتمله قوله فأتاهم الله هو أصل الرعب وفرق بين حصول أصله وبين ثباته ودلت الآية على أن وقوع ذلك الرعب صار سبباً في إقدامهم على بعض الأفعال وبالجملة فالفعل لا يحصل إلا عند حصول داعية متأكدة في القلب وحصول تلك الداعية لا يكون إلا من الله فكانت الأفعال بأسرها مستندة إلى الله بهذا الطريق كذا في اللباب
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ﴾ الجملة استئناف لبيان حالهم عند الرعب أي يخربونها بأيديهم ليسدوا بما تنضوا منها من الخشب والحجارة أفوه الأزقة ولئلا تبقى بعد جلائهم مساكين للمسلمين ولينتقلوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل والاخراب والتخريب واحد يقال خرب المكان خراباً وهو ضد العمارة وقد أخربه وخربه أي أفسده بالنقض والهدم غير أن في التشديد مبالغة من حيث التكثير لكثرة البيوت وهو قراءة أبي عمرو وفرق أبي عمرو بين اُراب والتخريب فقال : خرب بالتشيديد بمعنى هدم ونقض وأفسد وأخرب بالهمزة ترك الوضع وقال أي أبو عمرو : وإنما اخترت التشديد لأن الاخراب ترك الشيء خراباً بغير ساكن وبنوا النضير لم يتركوها خراباً وإنما خربوها بالهدم كما يدل عليه قوله بأيديهم وأيدي المؤمنين إن قيل البيوت
٤١٩
هي الديار فلم لم يقل يخربون ديارهم على وفق ما سبق وأيضاً كيف ما كان الإخراج من ديارهم وهي مخربة أجيب بأن الدار ماله بيوت فيجوز اخراب بعضها وإبقاء بعضها على مقتضى الرأي فيكون الخروج من الباقي على أن الإخراج لا يقتضي العمارة إذ يجوز أن يكون بإخراب المساكن والطرح منها قال سهل رحمه الله : يخربون بيوتهم بأيديهم أي قلوبهم بالبدع وفي كشف الأسرار نخست دين ودل خويش ازروى باطن خراب كردند تا خرابي باطن بظاهر سرايت كرد وخانه خود نيز خراب كردند ﴿وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ﴾ حيث كانوا يخربونها إزالة لمحتصنهم ومتمنعهم وتوسيعاً لمجال القتال وإضراراً بهم وإسناد هذا إليهم لما أنهم السبب فيه فكأنهم كلفوهم إياه وأمروهم به وهذا كما في قوله عليه السلام : لعن الله من لعن والديه وهو كقوله عليه السلام : من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه فقالوا : وكيف يسب الرجل والديه؟ فقال : يساب الرجل فيسب أباه فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه.
يقول الفقير : فيه إشارة إلى أن استناد الكفار إلى الحصون والأحجار وإن اعتماد المؤنين على الله الملك الغفار ولا شك أن من اعتمد على المأمن الحقيقي ظفر بمراده فيه دنياه وآخرته ومن استند إلى ما سوى الله تعالى خسر خسراناً مبيناً في تجارته وإن الإنسان بنيان الرب فربما قتل المرء نفسه وتسبب له فهدم بنيان الله فصار ملعوناً وقس على هذا حال القلب فإنه بيت الله واجتهد حتى لا يغلب عليه النفس والشيطان.
قال الحافظ :
من آن نكين سليمان بهيج نستانم
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
كه كاه كاه برودست اهر من باشد


الصفحة التالية
Icon