عليه لزم أن ينجو من عذاب الآخرة أيضاً لأن لولا تقتضي انتفاء الجزاء لحصول الشرط وإنما جيىء به لبيان أنهم إن نجوا من عذاب الدنيا بكتابة الجلاء لا نجاة لهم من عذاب الآخرة.
يقول الفقير لا يلزم من نجاتهم من عذاب الدنيا أن لا يكون جلاؤهم من قبيل العذاب وإنما لم يكن منه بالنسبة إلى عذاب الاستئصال والوجه في جلائهم إنهم قصدوا قتل النبي عليه السلام وقتله شر من ألف قتل فأخذوا بالجلاء ليموتوا كل يوم ألف مرة لأن انقطاع النفس عن مألوفاتها بمنزلة موتها فجاء الجزاء من جنس العمل قال بعض أهل الإشارة ولولا أن كتب الله على يهودي النفس ونصراني الهوى جلاء الانسلاخ من ديار وجوداتهم لعذبهم في طلب الدنيا ومحبتها ولهم في آخر الآمر عذاب نار القطيعة عن مألوفاتهم الطبيعية ومسحتسناتهم الحسية ﴿ذَالِكَ﴾ أي ما حاق بهم وسيحيق ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أي بسبب أنهم ﴿شَآقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ خالفوا أمرهما وفعلوا ما فعلوا مما حكي عنهم من القبائح والمشاقة كون الإنسان في شق ومخالفه في شق ﴿وَمَن يُشَآقِّ اللَّهَ﴾ كائناً من كان ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ له فهو نفس الجزاء بحذف العائد أو تعليل للجزاء المحذوف أي يعاقبه الله فإن الله شديد العقاب فإذا لهم عقاب شديد أيضاً لكونهم من المشاقين وأياً ما كان فالشرطية تحقيق للتسببية بالطريق البرهاني وفيه إشعار بأن المخالفة تقتضي المؤاخذة بقدر قوتها وضعفها فليحذر المؤمنون من العصيان مطلقاً :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
همينست بسندست اكر بشنوى
كه كر خار كارى سمن ندورى
اعلم أن ا الذي هو الاسم الأعظم جامع لجميع الأسماء الإلهية المنقسمة إلى الأسماء الجلالية القهرية والجمالية اللطفية والتشاقق فيه استدعاء أحد الشقين من التجليين الجمالي والجلال بأن يطلب الطالب منه اللطف والجمال وهو ممن يستحق القهر والجلال لا ممن يستحق اللطف والجمال فهو يستدعي من الحق شيء لا تقتضي حكمته البالغة إعطاءه إياه وهو من قبيل التحكم الذي لا يجوز بالنسبة إلى الله تعالى كما قال تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وأن إصابته فتنة انقلب على وجهه.
قال الحافظ :
درين من نكنم سرزنش بخود رويى
نانكه رورشم ميدهند مى رويم
والمشاقة مع الرسول عليه السلام المنازعة في حكمة أمره ونهيه مثل أسرار الصلوات الخمس واختلاف أعدادها وقراءتها جهراً وسراً ومثل أسرار الزكاة واختلاف أحكامها ومثل أحكام الحج ومناسكه ونحن أمرنا بمحض الامتثال والانقياد وما كلفنا بمعرفة أسرارها وحقائقها والنبي عليه السلام مع كمال عرفانه وجلال برهانه يقول : إن أتبع إلا ما يوحى إلي وقال : نحن نحكم بالظواهر والله يعلم السرائر قوله فإن الله شديد العقاب ومن شدة عقابه ابتلاء عبده بامتثال هذه الأشياء مع عدم تكليفه إياه بمعرفة حقائقها والمراد بالعقاب الأتعاب وإلا فالأحكام من قبيل الرحمة لا العذاب ولذا من قال هذه الطاعات جعلها الله علينا عذاباً من غير تأويل كفر ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ﴾ ما شرطية نصب بقطعتم واللينة فعلة نحو حنطة من اللون على أن أصلها لونة فياؤها مقلوبة عن واو لكسرة ما قبلها نحو ديمة وفيمة وتجمع على ألوان وهي ضروب النخل كلها وقيل من اللين وتجمع على لين وأليان وهي النخلة
٤٢٢
الكريمة الشجرة بكونها قريبة من الأرض والطيبة الثمرة قال الراغب في المفردات : اللين ضد الخشونة ويستعمل ذلك في الأجسام ثم يستعار للخلق ولغيره من المعاني فيقال فلان لين وفلان خشن وكل واحد منهما يمدح به طوراً ويذم به طوراً بحسب اختلاف المواضع وقوله ما قطعتم من لينة أي من نخلة ناعمة ومخرجه مخرج فعلة نحو حنطة ولا يختص بنوع من دون نوع انتهى والمعنى أي شيء قطعتم من نخلة من نخيلهم بأنواعها وقيل : اللينة ضروب النخلة كلها ما خلا العجوة والبرنية وهما أجود النخل ﴿أَوْ تَرَكْتُمُوهَا﴾
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥


الصفحة التالية
Icon