الضمير لما وتأنيثه لتفسيره بالليلة كما في قوله تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ﴿قَآاـاِمَةً﴾ حال من ضمير المفعول ﴿عَلَى أُصُولِهَا﴾ كما كانت من غير أن تتعرضوا لها بشيء من القطع جمع أصل وهو ما يتشعب منه الفرع ﴿فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فذاك أي قطعها وتركها بأمر الله فلا جناح عليكم فيه فإن في كل من القطع والترك حكمة ومصلحة ﴿وَلِيُخْزِىَ الْفَـاسِقِينَ﴾ أي وليذل اليهود الخارجين عن دائرة الإسلام إذن في قطعها وتركها فهو علة لمحذوف يقال خزي الرجل لحقه انكسار إما من نفسه وهو الحياء المفرط ومصدره الخزاية وإما من غيره وهو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزي أذن الله في قطعها وتركها لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف أحبوا ويتصرفون فيها حسبما شاءوا من القطع والترك يزدادون غيظاً ويتضاعفون حسرة وذلك أن رسول الله عليه السلام حين أمر أن تقطع نخيلهم وتحرق قالت اليهود وهو بنو النضير : يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخيل وإحراقها فشق ذلك على النبي عليه السلام وكان في أنفس المؤمنين أيضاف من ذلك شيء فنزلت وجعل أمر رسول الله أمره تعالى لأنه عليه السلام ما ينطق عن الهوى واستدل به على جواز هدم ديار الكفرة وقطع أشجارهم مثمرة كانت أو غير مثمرة وإحراق زروعهم زيادة لغيظهم وتخصيص اللينة بالقطع إنك انت من الألوان ليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية اللتين هما كرام النخيل وإن كانت هي الكرام ليكون غيظهم أشد ويقال إن العتيق والعجوة كانتا من نوح في السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصل الإناث كلها فلذا شق على اليهود قطعها وظهر من هذا أن اللون هو ما عدا العجوة والبرني من أنواع التمر بالمدينة والبرني بالفارسية حمل مبارك أو جيد لأن أصله برنيك فعرب ومن أنواع تمر المدينة الصيحاني وفي شرح مسلم للنووي أن أنواع التمر مائة وعشرون وفي تاريخ المدينة الكبير للسيد السمنودي أن أنواع التمر بالمدينة التي أمكن جمعها بلغت مائة وبضعاً وثلاثين ويوافقه قول بعضهم اختبرناها فوجدنا أكثر مما ذكره النووي قال : ولعل ما زاد على ما ذكر حدث بعد ذلك وأما أنواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر فقد نقل أن عالم فاس محمد بن غازي أرسل إلى عالم سلجماسة ابراهيم بن هلال يسأله عن حصر أنواع التمر بتلك البلدة فأرسل إليه حملاً أو حملين من كل نوع تمرة واحدة فأرسل إليه هذا ما تعلق به علم الفقير وأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وفي نسق الأزهار أن بهذه البلدة رطباً يسمى البتوني وهو أخضر اللون وأحلى من عسل النحل ونواه في غاية الصغر
٤٢٣
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
وكانت العجوة خير أموال بني النضير لأنهم كانوا يقتاتوتها وفي الحديث "العجوة من الجنة وتمرها يغذي أحسن الغذاء".
روي أن آدم عليه السلام نزل بالعجوة من الجنة وفي البخاري من تصبح كل يوم على سبع تمرات عجوة لم يصبه في ذكل اليوم سم ولا سحر وقد جاء في العجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة وفي كلام بعضهم العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني تضرب إلى السواد وهي مما غرسه النبي عليه السلام بيده الشريفة وقد علمت أنها في نخل بني النضير وعن ابن عباس رضي الله عنهما هبط آدم من الجنة بثلاثة أشياء بالآسة وهي سيدة ريحان الدنيا والسنبلة وهي سيدة طعام الدنيا والعجوة وهي سيدة ثمار الدنيا وفي الحديث :"إن العجوة من غرس الجنة وفيها شفاء وإنها ترياق أو البكرة وعليكم بالتمر البرني فكلوه فإنه يسبح في شجره ويستغفر لآكله وإنه من خير تمركم وإنه دواء وليس بداء" وجاء بيت لا تمر فيه جياع أهله قال ذلك مرتين ولما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الحدود ودعون بالويل كما في إنسان العيون قال بعض أهل الإشارة يشير إلى من قطع نخلة محبة الدنيا من أرض قلبه بأمر الله وحكمته المقتضية لذلك الأمر بالقطع وهم المحرمون المنقطعون عن الدنيا ومحبتها وشهواتها ولذاتها المتوجهون إلى طريق السلوك إلى الله بتزكية النفس وتصفية القلب وتخلية السر وتحلية الروح وإلى من ترك الدنيا في أرض قلبه قائمة على أصولها على حالها بإذن الله وحكمته البالغة المقتضية لإبقائها وهم الكاملون المكملون الواصلون المواصلون الذين ليس للدنيا ولا للآخرة عندهم قدر ومقدار ما زاغ نظر ظاهرهم ولا بصر باطنهم إليهما لاشتغالهم بذكر الله أي بذكر ذاته وصفاته وأسمائه كما قال في حقهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وليخزي الفاسقين الذين خرجوا من مقام المعرفة والعرفان وما عرفوا أن للحق عباداً ليس للدنيا والآخرة عندهم قدر ومقدار وما زاغ بصر ظاهرهم ولا نظر باطنهم إليهما وطعنوا فيهم بمحبة الدنيا ونسبوا إليهم حب الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية فأخزاهم الله بشؤم هذا الطعن والله يشهد أنهم لكاذبون.
قال الحافظ :
س تجربه كرديم درين دير مكافات
بادرد كشان هركه در افتاد بر افتاد
كتاب روح البيان ج٩ متن


الصفحة التالية
Icon