وفي التأويلات النجمية أبدل الله من ذوي القربى المهاجرين إلى الله أي ذووا القربى هم المهاجرون من قرية النفس إلى مدينة الروح والقلب بالسير والسلوك وقطع المفاوز النفسانية والبواد الحيوانية المخرجون من ديار وجوداتهم وأموال صفاتهم وأخلاقهم إلى حضرة خالقهم ورازقهم طالبين من فضله وجوده وجوده ونور رضوان صفاته ونعوته ناصرين الله بمظهريتهمالاسم الجامع ورسوله بمظهريتهم لأحكامه وشرائعه الظاهرة أولئك هم الصادقون في مقام الفناء عنهم في رواتهم وصفاتهم وأفعالهم والبقاء به أي بذاته وصفاته وىفعاله جعلنا الله وإياكم هكذا بفضله ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالايمَـانَ﴾ كلام مستأنف مسوق لمدح الأنصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفيىء بهم أحسن رضى وأكمله والأنصار بنو الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نيت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قال في القاموس قحطان بن عامر بن شالخ أبو حي انتهى وهو أصل العرب العرباء ومن الأنصار غسان كشداد ماء قرب الجحفة نزل عليه قوم من ولد الأزد فشربوا منه فنسبوا إليه وأصل البواء مساواة الأجزاء في المكان خلاف النبو الذي هو منافاة الأجزاء يقال مكان بواء إذا لم يكن نابياً بنازله ويوأت له مكاناً سويت.
ـ وروي ـ إنه عليه السلام كان يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله وتبوأوا لمنزل اتخاذه منزلاً والتمكن والاستقرار فيه فالمتبوأ فيه لا بد أن يكون من قبيل المنازل والأمكنة والدار هي المدينة وتسمى قديماً يثرب وحديثاً طيبة وطابة كذلك بخلاف الإيمان فإنه ليس من هذا القبيل فمعنى تبوئهم الدار والإيمان إنهم اتخذوا المدينة والإيمان مباءة وتمكنوا فيهما أشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان وقيل ضمن التبوؤ معنى اللزوم وقيل تبوأوا الدار وأخلصوا الإيمان أو قبلوه أو آثروه كقول من قال علفتها تبناً وماء بارداً.
أي وسقيتها ماء بارداً فاختصر الكلام وقيل غير ذلك.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
يقول الفقير : لعل أصل الكلام والذين تبوأوا دار الإيمان فإن المدينة يقال لها دار الإيمان لكونها مظهره ومأوى أصله كما يقال لها دار الهجرة وإنما عدل إلى ما ذكر من صورة العطف تنصيصاً على إيمانهم إذ مجرد التبوء لا يكفي في المدح ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي من قبل هجرة المهاجرين فقدر المضاف لأن الأنصار لم يؤمنوا قبل المهاجرين بل منهم من آمن قبل
٤٣٢
الهجرة ومنهم من آمن بعدها قال بعضهم مراد أنصار ندكه درديار خود ايمان آوردند وبد وسال يش ازقدوم حضرت مساجد ساختند.
وربوا الإسلام كما يربى الطير الفرخ قال في الإرشاد : يجوز أن يجعل اتخاذ الإيمان مباءة ولزومه وإخلاصه عبارة عن إقامة كافة حقوقه التي من جملتها إظهار عامة شعائره وأحكامه ولا ريب في تقدم الأنصار في ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن إظهار بعضها لا عن إخلاصه قلباً واعتقاداً إذ لا يتصور تقدمهم عليهم في ذلك وفي الآية إشارة إلى دار القلب التي هي دار الصدق والإخلاص وإلى الإيمان الاختصاصي الوهبي بتحقيقه وتثبيته ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ خبر للموصول أي يحبونهم من حيث مهاجرتهم إليهم لمحبتهم الإيمان ولأن الله وحبيبه أحباهم وحبيب الحبيب حبيب وفي كشف الأسرار كنايتست از مهمان دوستى أنصار ﴿وَلا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ﴾ أي في نفوسهم ﴿حَاجَةً﴾ أي شيئاً محتاجاً إليه ﴿مِّمَّآ أُوتُوا﴾ أي مما أوتي المهاجرون من الفيىء وغيره ومن بيانية يقال خذ منه حاجتك أي ما تحتاج إليه والمراد من نفي الوجدان نفي العلم لأن الوجدان في النفس إدراك علمي وفيه من المبالغة ما ليس في يعلمون وقال بعضهم : طلب محتاج إليه يعني أن نفوسهم لم تبتغ ما أوتوا ولم تطمح إلى شيء منه يحتاج إليه وقيل وجداً على تقديمهم عليهم وغيظاً وحسداً ونحو ذلك قال الراغب الحاجة إلى الشيء الفقر إليه مع محبته ﴿وَيُؤْثِرُونَ﴾ أي يقدمون المهاجرين فالمفعول محذوف ﴿عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ في كل شيء من أسباب المعاش جوداً وكرماً حتى أن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما ويزوجها واحداً منهم والإيثار عطاؤك ما أنت تحتاج إليه وفي الخبر لم يجتمع في الدنيا قوم قط إلا وفيهم أسخياء وبخلاء إلا في الأنصار فإن كلهم أسخياء ما فيهم من بخيل
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥