﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ أي حاجة وخلة وأصلها خصاص البيت وهي فرجة شبه حالة الفقر والحاجة ببيت ذي فرج في الاشتمال على مواضع الحاجة قال الراغب عبر عن الفقر الذي لا يسد بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة والخص بيت من قصب وشجر وذلك لما يرى منه من الخصاصة وكان عليه السلام قسم أموال بني النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة رضي الله عنهم وروي لم يعط إلا رجلين سهلاً وأبا دجانة فإن الحارث بن الصمة قتل في بئر معونة وقال لهم : إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة فقالت : الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وكان عليه السلام أعطى بعض الأراضي وأبقى بعضها يزرع له ولما أعطى المهاجرين أمرهم برد ما كان للأنصار لاستغنائهم عنهم ولأنهم ولم يكونوا ملكوهم وإنما كانوا دفعوا لهم تلك النخيل لينتفعوا بثمرها ويدخل في إيثارهم المهاجرين بالفيىء سائر الإيثارات وعن أنس رضي الله عنه أنه قال : أهدي لرجل من الأنصار رأس شاة وكان مجهوداً فوجه به إلى جار له زاعماً أنه أحوج إليه منه فوجه جاره أيضاً إلى آخر فلم يزل يبعث به واحداً إلى آخر حتى تداول ذلك الرأس
٤٣٣
سبعة بيوت إلى أن رجع إلى المجهود الأول قال حذيفة العدوي انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي ومعي شيء من الماء وأنا أقول : إن كان به رمق سقيته فإذا أنا به فقلت : أسقيك فأشار برأسه أن نعم فإذا برجل يقول آه آه فأشار إلى ابن عمي أن انطلق إليه فإذا هو هشام بن العاص فقلت : أسقيك فأشار أن نعم فسمع آخر يقول آه آه فأشار هشام أن انطلق إليه فجئت إليه فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات وهذا من قبيل الإيثار بالنفس وهو فوق الإيثار بالمال :
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ
كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
وقال في التكملة الصحيح أن الآية نزلت في أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه حين نزل برسول الله عليه السلام ضيف ولم يكن عنده ما يضيفه به فقال : ألا رجلاً يضيف هذا رحمه الله فقام أبو طلحة فانطلق به إلى رحله وقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله فنومت الصبية وأطفأت السراج وجعل الضيف يأكل وهما يريان أنهما يأكلان معه ولا يفعلان فنزلت الآية وكان قناعت السلف أوفر ونفوسهم أقنع وبركتم أكثر ونحن نؤثر أنفسنا على الغير فإذا وضعت مائدة بين أيدينا يريد كل منا أن يأكل قبل الآخر ويأخذ أكثر مما يأخذ الرفيق ولذلك لم توجد بركة الطعام وينفد سريعاً ويروى أنه وقع بين ملك ووزيره أنه قال الملك إن العلماء أحسن حالاً وأصلح بالاً من الفقراء وقال الوزير بخلاف ذلك ثم قال الوزير نمتحنهما في أمرين فبعث أحداً بعدة آلاف درهم إلى أهل المدرسة فقال : اذهب وقل لهم إن الملك أمرني أن أعطي هذه الدراهم أفضلهم وأكملكم فمن هو فقال واحد منهم الأفضلية فقال الرسول لم يتميز الأفضل عندي ولم أعرفه ولم يعط شيئاً فعاد وأخبر بما وقع ثم أرسل الوزير تلك الدراهم إلى أهل الخانقاه ففعلوا عكس ما فعله العلماء وأعطى بيده سيفاً فقال : اذهب فقال لهم : إن الملك أمرني أن أضرب عنق رئيسكم فمن هو فقال واحد منهم أنا وقال الآخر بل أنا وهكذا قال كل منهم إيثار إبقاء أخيه واختيار فدار رفيقه بنفسه فقال الرسول : لم يتميز ما هو الواقع عندي فرجع وأخبر بما وقع فأرسل السيف إلى العلماء ففعلوا عكس ما فعله الفقراء فحج بذلك الوزي على الأمير وأنت تشاهد أن فقراء زماننا على عكس هؤلاء الفقراء في البلاد والممالك قال أبو يزيد البسطامي قدس سره غلبني رجل شاب من أهل بلخ حيث قال لي ما حد الزهد عندكم فقلت : إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا فقال : هذا فعل كلاب بلخ عندنا بل إذا فقدنا شكرنا وإذا وجدنا آثرنا :
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ٤٦ من صفحة ٤٣٤ حتى صفحة ٤٤٢
كريم كامل آانرامى شناسم اندرين دوران
كه كرنانى رسد از آسياى رخ كردانش
زاستنغنى همت با وجود فقر وبى بركى
زخود واكير دوسازد نثار بى نوا يانش
وفي العوارف من أخلاق الصوفية الإيثار والمواساة وحملهم على ذلك فرط الشفقة والرحمة طبعاً وقوة اليقين شرعاً لأنهم يؤثرون الموجود ويصبرون على المفقود قال يوسف بن الحسين رحمه الله : من رأى لنفسه ملكاً لا يصح له الإيثار لأنه يرى نفسه أحق بالشيء برؤية
٤٣٤
ملكه إنما الإيثار لمن يرى الأشياء للحق فمن وصل إليه فهو أحق به فإذا وصل شيء من ذلك إليه يرى نفسه ويده فيه يد غصب أو يد أمانة يوصلها إلى صاحبها ويؤديها إليه.
معاذ بن جبل راديدندكه دربازارا مكه ميكر ديد وزيره تره ميجيد وميكفت هذا ملكك مع رضاك وملك الدنيا مع سخطك :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥


الصفحة التالية
Icon