وقال بعض أهل الإشارة : ربنا اغفر لنا أي استر ظلمة وجودنا بنور وجودك واستر وجودات إخواننا الذين سبقونا بالإيمان وهم الروح والسر والقلب السابقون في السلوك من قرية النفس إلى مدينة الروح المؤمنين بأن الفناء الوجودي الإمكاني يستلزم الوجود الواجبي الحقاني ولا تجعل في قلوبنا شك الاثنينية والغيرية للذين آمنوا بإخوانية المؤمنين لقوله تعالى : إنما المؤمنون إخوة إنك رؤوف بمن شاهد الكثرة قائمة بالوحدة رحيم بمن شاهد الوحدة
٤٣٧
ظاهرة بالكثرة وفي تكرير ربنا إظهار لكمال الضراعة وفي الأثر من حزبه أمر فقال خمس مرات : رنبا أنجاه الله مما يخاف قال الإمام الرازي : اعلم أن العقل يدل على تقديم ذكر الله في الدعاء لأن ذكر الله تعالى بالثناء التعظيم بالنسبة إلى جوهر الروح كالأسير الأعظم بالنسبة إلى النحاس فكما أن ذرة من الأكسير إذا وقعت على عالم النحاس انقلب الكل ذهبا ابريزا فكذا إذا وقعت ذرة من اكسير معرفة جلال الله تعالى على جوهر الروح قوي صفاء وكمل إشراقاً ومتى صار كذلك كانت قوته أقوى وتأثيره أكمل وكان حضور الشيء المطلوب عنده أقوى وأكمل وهذا هو السبب في تقديم الدعاء بالثناء انتهى والوارد في القرآن من الدعاء مذكور غالباً بلفظ الرب فإن على العبد أن يذكر أولاً إيجاد الله وإخراجه من العدم إلى الوجود الذي هو أصل المواهب ويتفكر في تربية الله إياه ساعة فساعة وأما دعوات رسول الله عليه السلام فأكثرها الابتداء بقوله اللهم لأنه مظهر الاسم الجامع وقد كان يجمع بينهما ويقول : اللهم ربنا كما جمع عيسى عليه السلام وقال : اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء والله سميع الدعاء وقابل الرجاء ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ استئناف لبيان التعجب مما جرى بين الكفرة والمنافقين منا لأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة والمعنى آيا نكاه نكرده يا محمد أويا من له حظ من الخطاب ﴿إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ من أهل المدينة قال الراغب النفق الطريق النافذ والسرب في الأرض النافذ ومنه نافقاء اليربوع وقد نافق اليربوع ونفق ومنه النفاق وهو الدخول في الشرع من باب والخروج عنه من باب على هذا نبه بقوله : إن المنافقين هم الفاسقون أي الخارجون عن الشرع ﴿يَقُولُونَ لاخْواَنِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ﴾
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
اللام للتبليغ والمراد بالإخوان بنوا النضير وبأخوتهم أما توافقهم في الكفر فإن الكفر ملة واحدة أو صداقتهم وموالاتهم ﴿لَـاـاِنْ أُخْرِجْتُمْ﴾ اللام موطئة للقسم وهي اللام الداخلة على حرف الشرط بعد تمام القسم ظاهراً أو مقدار ليؤذن أن الجواب له لا للشرط وقد تدخل على غير الشرط والمعنى والله لئن أخرجتم أيها الإخوان من دياركم وقراكم قسراً بإخراج محمد وأصحابه إياكم منها ﴿لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ﴾ البتة ونذهبن في صحبتكم أينما ذهبتم لتمام المحبة بيننا وبينكم وهو جواب للقسم وجواب الشرط مضمر ولما كان جواب القسم وجواب الشرط متماثلين اقتصر على جواب القسم واضمر جواب الشرط وجعل المذكور جواباً للقسم بسعة وكذا وقله لا يخرجون معهم وقوله لا نصرونهم كل واحد منهما جواب القسم ولذلك رفعت الأفعال ولم تجزم وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه ﴿وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ﴾ أي في شأنكم ﴿أَحَدًا﴾ يمنعنا من الخروج معكم ﴿أَبَدًا﴾ وإن طال الزمان ونصبه على الظرفية وهو الاستغراق المستقبل كما أن الأزل لاستغراق الماضي ولاستعمالهما في طول الزمانين جداً قد يضافان إلى جمعهما فيقال أبد الآباد وأزل الآزال وأما السرمد فلاستغراق الماضي والمستقبل يعني لاستمرار الوجود لا إلى نهاية في جانبهما.
ومنه قول المولى الجامي :
دردت زازل آيد تاروز أبد ايد
وق شكر كزار دكس اين دولت سرمدرا
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
﴿وَإِن قُوتِلْتُمْ﴾ أي قاتلكم محمد وأصحابه حذفت منه اللام الموطئة ﴿لَنَنصُرَنَّكُمْ﴾ أي
٤٣٨


الصفحة التالية
Icon