لنعاوننكم على عدوكم ولا نخذلكم ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ﴾ في مواعيدهم المؤكدة بالإيمان الفاجرة ﴿لَـاـاِنْ أُخْرِجُوا﴾ قهراً وإذلالاً ﴿لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ﴾ الخ تكذيب لهم في كل واحد من أقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم في الكل على الإجمال ﴿وَلَـاـاِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ﴾ وكان الأمر كذلك فإن ابن أبي وأصحابه أسلوا إلى نبي النضير وذلك سرا ثم اخلفوهم يعني إن ابن أبي أرسل إليهم لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون حصنكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع بنو النضير فيما قاله اللعين وهو جالس في بيته حتى قال أحد سادات بني النضير وهو سلام بن مشكم لحيى بن أخطب الذي كان هوالمتولى لأمر بني النضير والله يا حيى إن قول ابن أبي لباطل وليس بشيء وإنما يريد أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمداً فيجلس في بيته ويتركك فقال حيى نأبى إلا عداوة محمد وإلا قتاله فقال سلام فهو والله جلاؤنا من أرضنا وذهاب أموالنا وشرفنا وسبي ذرارينا مع قتل مقاتلينا فكان ما كان كما سبق في أول السورة وفيه حجة بينة لصحة النبوة وإعجاز القرآن أما الأول فلأنه أخبر عما سيقع فوقع كما أخبر وذلك لأن نزول الآية مقدم على الواقعة وعليه يدل النظم فإن كلمة أن للاستقبال وأما الثاني فمن حيث الأخبار عن الغيب ﴿وَلَـاـاِن نَّصَرُوهُمْ﴾ على الفرض والتقدير ﴿لَيُوَلُّنَّ الادْبَـارَ﴾ فراراً وانهزاماً جمع دبر ودبر الشيء خلاف القبل أي الخلف وتولية الأدبار كناية عن الانهزام الملزوم لتولية الإدبار قال في تاج المصادر التولية روى فرا كردن وشت بكردانيدن.
وهي من الأضداد ﴿ثُمَّ لا يُنصَرُونَ﴾ أي المنافقون بعد ذلك أي يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم بنصرهم اليهود أو لينهزمن اليهود ثم لا تنفعهم نصرة المنافقين وفي الآية تنبيه على أن من عصى الله ورسوله وخالف الأمر فهو مقهور في الدنيا والآخرة وإن كان سلطاناً ذا منعة وما يقع أحياناً من الفرصة فاستدراج وغايته إلى الخذلان :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
صعوه كوبا عقاب سازد جنك
دهد از خون خود رش رارنك
وإشارة إلى إن الهوى وصفاته كالمنافقين والنفس والكافرة واتباعها كاليهود وبينهما إخوة وهي الظلمة الذاتية والصفاتية وبين حقائقهما وحقائق الروح والسر والقلب تنافر كتنافر النور والظلمة فالهوى وصفاته يقولون للنفس وصفاتها لأن إخرجكم الروح والسر والقلب من ديار وجوداتكم وأنانيتكم بسبب غلبة أنوارهم على ظلمات وجوداتكم لنخرجن معكم ولا تخالفكم وإن قتلتم بسيف الرياضة ورمح المجاهدة نقويكم بالقوى الشهوانية الحيوانية البهيمية السبعية وهم لا يقدرون على شيء بغير إذن الله فهو كاذبون في قولهم ولا يخرج الهوى وصفاته معهم لأن الهوى والنفس وإن كانا متحدين بالذات لكنهما مختلفان بالصفات كالاختلاف زيد وعمرو في الصفات واتحادهما في الذات وهو الإنسانية وارتفاع أحدهما لا يستلزم ارتفاع الآخر والهوى بسبب غلبة روحانية القالب عليه يميل إلى الروح تارة وبسبب غلظته أيضاً يميل إلى النفس أخرى فلا ينصر النفس دائماً ولئن نصرها بنفخ نار الظلمة
٤٣٩
في حطب وجودها لينهزم بسبب سطوات أشعة أنوار الروح والسر والقلب انهزام النور من الظلمة نفار الليل من النهار ألا أن حزب الله هم الغالبون ﴿لانتُمْ﴾ يا معشر المسلمين وبالفارسية هرآينه شماكه مؤمنانيد ﴿أَشَدُّ رَهْبَةً﴾ الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب وهي هنا مصدر من المبنى للمفعول وهو رهب أي أشد مرهوبية وذلك لأن أنتم خطاب للمسلمين والخوف ليس واقعاً منهم بل من المنافقين فالمخاطبون مرهوبون غير خائفين ﴿فِى صُدُورِهِمْ﴾ أي صدور المنافقين ﴿مِّنَ اللَّهِ﴾ أي من رهبة الله بمعنى مرهوبيته قال في الكشاف قوله في صدورهم دال على نفاقهم يعني أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب في صدورهم من الله فإن قلت كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى يكون رهبتهم منه أشد قلت معناه أن رهبتهم في السر منكم أشد من رهبتهم من الله التي يظهر ونها لكم وكانوا يظهرون رهبة شديدة من الله.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥


الصفحة التالية
Icon