يقول الفقير : إنما رهبوا من المؤمنين لظهور نور الله فيهم فكما أن الظلمة تنفر من النور ولا تقاومه فكذا أهل الظلمة ينفر من أهل النور ولا يقوم معه ومرادنا بالظلمة ظلمة الشرك والكفر والرياء والنفقا وبالنور نورالتوحيد والإيمان والإخلاص والتقوى ولذلك قال تعالى اعلموا أن الله مع المتقين حيث أن الله تعالى أثبت معيته لأهل التقوى فنصرهم على مخالفيهم ﴿ذَالِكَ﴾ أي ما ذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة الله ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أي بسبب أنهم ﴿قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ أي شيء حتى يعلموا عظمة الله تعالى فيخشوه حق خشيته قال بعض الكبار ليس العظمة بصفة للحق تعالى على التحقيق وإنما هي صفة للقلوب العارفة به فهي عليها كالرداء على لابسه ولو كانت العظمة وصفاً للعظيم لعظم كل من رآه ولم يعرفه وفي الحديث "إن الله يتجلى يوم القيامة لهذه الأمة وفيها منافقوها فيقول أنا ربكم فيستعيذون به منه ولا يجدون له تعظيماً وينكرونه لجهلهم به فإذا تجلى لهم في العلامة التي يعرفونه بها وجدوا عظمته في قلوبهم وخروا له ساجدين والحق إذا تجلى لقلب عبد ذهب منه أخطار الأكوان وما بقي إلا عظمة الحق وجلاله وفيه تنبيه على أن من علامات الفقه أن يكون خوف العبد من الله أشد من خوفه من الغير وتقبيح لحال أكثر الناس على ما ترى وتشاهد" قال عليه السلام : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين قال بعض العارفين الفقيه عند أهل الله هو الذي لا يخاف إلا من مولاه ولا يراقب إلا إياه ولا يلتفت إلى ما سواه ولا يرجو الخير من الغير ويطير في طلبه طيران الطير قال بعض الكبار لا ينقص الكمل من الرجال خوفهم من سبع أو ظالم أو نحو ذلك لأن الجزع في النشأة الإنسانية أصلى فالنفوس أبداً مجبولة على الخوف ولذة الوجود بعد العدم لا يعد لها لذة وتوهم العدم العيني له ألم شديد في النفوس لا يعرف قدره إلا العماء بالله فكل نفس تجزع من العدم أن يلحق بها أو بما يقاربها وتهرب منه وترتاع وتخاف على ذهاب عينها فالكامل أضعف الخلق في نفسه لما يشهده من الضعف في تألمه بقرصة برغوث فهو آدم ملئان بذله وفقره مع شهوده أصله علماً وحالاً وكشفاً ولذلك لم يصدر قط من رسول ولا نبي ولا ولي كامل في وقت حضوره أنه ادعى دعوى تناقض العبودية أبداً ﴿لا يُقَـاتِلُونَكُمْ﴾ أي اليهود والمنافقون بمعنى لا يقدرون
٤٤٠
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
على قتالكم ولا يجترئون عليه ﴿جَمِيعًا﴾ أي مجتمعين متفقين في موطن من المواطن ﴿إِلا فِى قُرًى﴾ جمع قرية وهي مجتمع الناس للتوطن ﴿مُّحَصَّنَةٍ﴾ محكمة بالدروب والخنادق وما أشبه ذلك قال الراغب أي مجعولة بالأحكام كالحصون ﴿أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُر﴾ دون أن يحضروا لكم ويبارزوكم أي يشافهوكم بالمحاربة لفرط رهبتهم جمع جدار وهو كالحائط إلا أن الحائط يقال اعتباراً بالإحاطة بالمكان والجدار يقال اعتباراً بالنتو والارتفاع ولذا قيل جدر الشجر إذا خرج ورقه كأنه حمص وجدر الصبي إذا خرج جدريه تشبيهاً بجدر الشجر ﴿بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ﴾ استئناف سيق لبيان أن ما ذرك من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم في أنفسهم فإن بأسهم وحربهم بالنسبة إلى اقرانهم شديد وإنما ضعفهم وجبنهم بالنسبة إليكم بما قذف الله في قلوبهم من الرعب وأيضاً من الشجاع بجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله قال في كشف الأسرار إذا أراد ا نصرة قوم استأسد أرنبهم وإذا أراد الله قهر قوم استرنب أسدهم :
اكر مردى از مردى خود مكوى
نه هرشهسوارى بدر برد كوى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥


الصفحة التالية
Icon