إن قيل إن البأس شدة الحرب فما الحاجة إلى الحكم عليه بشديد أجيب بأنه أريد من البأس هنا مطلق الحرب فأخبر بشدته لتصريح الشدة أو أريد المبالغة في إثبات الشدة لبأسهم مبالغة في شدة بأس المؤمنين لغلبته على ءأسهم بتأييد الله ونصرته لهم عليهم والظرف متعلق بشديد والتقديم للحصر ويجوز أن يكون متعلقاً بمقدر صفة أو حالاً أي بأسهم الواقع بينهم أو واقعاً بينهم فقولهم الظرف الواقع بعد المعرفة يكون حالاً البتة ليس بمرضى فإن الأمرين جائزان بل قد ترجح الصفة ﴿تَحْسَبُهُمْ﴾ يا محمد أو يأكل من يسمع ويعقل ﴿جَمِيعًا﴾ مجتمعين متفقين ذوي ألفة واتحاد ﴿وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ أي والحال أن قلوبهم متفرقة لا إلفة بينها فهم بخلاف من وصفهم بقوله ولكن الله ألف بينهم جمع شتيت كمرضى ومريض وبالفارسية را كنده وريشان.
يقال شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت وجاءوا أشتاتاً أي متفرقين في النظام وفي الآية تشجيع لقلوب المؤمنين على قتالهم وتجسير لهم وأن اللائق بالمؤمن الاتفاق والاتحاد صورة ومعنى كما كان المؤمنون متفقين في عهد النبي عليه السلام ويقال الاتفاق قوة والافتراق هلكة والعدو إبليس يظفر في الافتراق بمراده قال سهل أهل الحق مجتمعون أبداً موافقون وإن تفرقوا بالأبدان وتباينوا بالظواهر وأهل الباطل متفرقون أبداً وإن اجتمعوا بالأبدان وتوافقوا بالظواهر لأن الله تعالى يقول تحسبهم الخ ﴿ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ أي ما ذكر من تشتت قلوبهم بسبب أنهم ﴿قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾ أي لا يعقلون شيئاً حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون في تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وتشتت القلوب يوهن قواهم لأن صلاح القلب يؤدي إلى صلاح الجسد وفساده إلى فساده كما قالوا كل أناء يترشح بما فيه اعلم أن الله تعالى ذم الكفار في القرآن بكل من عدم الفقه والعلم والعقل قال الراغب الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم والعلم إدراك الشيء بحقيقته وهو نظري وعملي وأيضاً عقلي وسمعي والعقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك
٤٤١
القوة عقل ولهذا قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
وأن العقل عقلان.
فمسموع ومطبوع.
ولا ينفع مطبوع.
إذا لم يك مسموع.
كما لا تنفع الشمس.
وضوء العين ممنوع.
وإلى الأول أشار عليه السلام بقوله ما خلق الله شيئاً أكرم عليه من العقل وإلى الثاني أشار بقوله ما كسب أحد شيئاً أفضل من عقل يهديه إلى هدى أو يرده عن ردى وهذا العقل هو المعنى بقوله وما يعقلها إلا العالمون وكل موضع ذم الكفار بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الأول وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأول انتهى وفي الحديث العقل نور في القلب يفرق به بين الحق والباطل وعن أنس رضي الله عنه قيل : يا رسول الله الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب قال وما من آدمي إلا وله ذنوب وخطايا يقترفها فمن كان سجيته العقل وغريزته اليقين لم تضره ذنوبه قيل : كيف ذلك يا رسول الله قال : لأنه كلما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه فيمحو ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة وعنه أيضاً رضي الله عنه أثنى قوم على رجل عند رسول الله حتى بالغوا في الثناء بخصال الخير فقال رسول الله : كيف عقل الرجل فقالوا : يا رسول الله تخبرك عنه باجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال نبي الله إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر وإنما يرتفع العباد غداً في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم قال علي بن عبيدة : العقل ملك والخصال رعية فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها فسمعه إعرابي فقال : هذا الكلام يقطر عسله وقال بعضهم : إذا كمل العقول نقص الفضول أي لأن العقل بعقله ويمنعه عما لا يعينه كل شيء إذا كثر رخص غير العقل فإنه إذا كثر غلا وقال أعرابي : لو صور العقل لا ظلمت معه الشمس ولو صور الحمق لأضاء معه الليل فالعقل أنور شيء والحمق أظلمه وقبل العاقل يعيش بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته أي ففي العقل قوة شجاعة الأسد ويعلم منه بالمقايسة إن في الحمق ضعف حال الأرنب ونحوه :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
كشتى بى لنكر آمد مردشر
كه زباد ك نيابد او حذر
لنكر عقلست عاقل را امان
لنكرى در يوزه كن از عاقلان
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ٤٧ من صفحة ٤٤٢ حتى صفحة ٤٥٢


الصفحة التالية
Icon