وعبادته وكانت امرأة بغى يمثل بحسنها فقالت : أي شئتم لأفتنته لكم قال أي النبي عليه السلام فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعياً كان يأوى إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت : هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال : ما شأنكم؟ فقالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك فقال : أين الصبي فجاءوا به فقال : دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى بالصبي فطعن في بطنه وقال : يا غلام من أبوك فقال فلان الراعي قال أي النبي عليه السلام فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا له نبني لك صومعتك من ذهب قال : لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكباً على دابة فارهة وهيئته حسنة فقالت أمه : اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل عليه فنظر إليه فقال : اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع قال أي الراوي وهو أبو هريرة رضي الله عنه فكأني أنظر إلى رسول الله عليه السلام وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها قال أي النبي عليه السلام ومر بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقال : اللهم اجعلني مثلها فهناك تراجعا الحديث فقالت أمه قد مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت : اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها قال أي الرضيع إن ذاك الرجل كان جباراً فقلت اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها زنيت سرقت ولم تزن ولن تسرق فقلت اللهم اجعلني مثلها انتهى الحديث وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للمؤمن أن لا يمد عينيه إلى زخارف الدنيا ولا يدعو الله فيما لا يدري أهو خير له أم شربل ينبغي له أن يطلب منه البراءة من السوء وخير الدارين كما قال تعالى : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار نسأل الله سبحانه العفو والعافية مطلقاً
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} إيماناً خالصاً ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ في كل ما تأتون وما تذرون فتحرزوا عن العصيان بالطاعة وتجنبوا عن الكفران بالشكر وتوقوا عن النسيان بالذكر واحذروا عن الاحتجاب عنه بأفعالكم وصفاتكم بشهود أفعاله وصفاته ﴿وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ ما شرطية أي أي شيء قدمت من الأعمال ليوم القيامة.
تا اكر تقديم خيرات وطاعات كند شكر كزاري نمايد ودرزيادتى آن كوشد واكر معاصى فرستاده توبه كندوشيمان شوده عبر عن يوم القيامة بالغد لدنوه لأن كل آت قريب يعني سماه باليوم الذي يلي يومك تقريباً له وعن الحسن رحنه الله لم يزل يقربه حتى جعله كالغد ونحوه قوله تعالى كأن لم تغن بالأمس يريد تقريب الزمان الماضي أو عبر عنه به لأن الدنيا أي زمانها كيوم والآخر كغده لاختصاص كل منهما بأحوال وأحكام متشابهة وتعقيب الثاني الأول فقوله لغد استعارة.
يقول الفقير : إنما كانت الآخرة كالغد لأن الناس في الدنيا نيام ولا انتباه إلا عند الموت الذي هو مقدمة القيامة كما ورد به الخبر فكل من الموت والقيامة كالصباح بالنسبة إلى الغافل كما أن الغد صباح بالنسبة إلى النائم في الليل ودل هذا على أن الدنيا ظلمانية والآخرة نورانية
٤٤٧
وتنكيره لتفخيمه وتهويله كأنه قيل لغد لا يعرف كنهه لغاية عظمه وأصله غدو حذفوا الواو بلا عوض واستشهد عليه بقول لبيد :
وما الناس إلا كالديار وأهلها
بها يوم حلوها وغدوا بلاقع
إذ جاء به على أصله والبيت من أبيات العبرة وأما تنكير نفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدمن لذلك اليوم الهائل كأنه قيل ولتنظر نفس واحدة في ذلك قال بعضهم الاستقلال يكون بمعنى عد الشيء قليلاً وبمعنى الإنفراد في الأمر فعلى الأول يكون المراد استقلال الله النفوس الناطقة كما قال تعالى لكن أكثر الناس لا يعلمون ولكن أكثرهم يجهلون فكأنه أقيم الأكثر مقام الكل مبالغة فأمر على الوحدة فلا يضره وجود النفس الكاملة العاقلة الناظرة إلى العواقب بالنظر الصائب والرأس الثاقب وعلى الثاني كون المراد انفراد النفوس في النظر واكتفاءها فيه بدون انضمام نظر الأخرى في الاطلاع على ما قدمت خيراً أو شراً قليلاً أو كثيراً وجوداً أو عدماً وفيه حث عظيم :
جهل من وعلم توفلك راه تفاوت
آنجاكه بصر نيست ه خوبى وه زشتى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥


الصفحة التالية
Icon