على موسى وكذلك الإنجيل على عيسى والفرقان على محمد عليهم السلام ثم إنه لا يلزم في الإشارة وجود جملة المشار إليه ذي الإبعاض المترتبة وجوداً بل يكفي وجود بعض الإشارة حقيقة ووجود بعض آخر حكماً ويحتمل أن يكون المشار إليه هنا الآن السابقة من قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إلخ فإن لفظ القرآن كما يطلق على المجموع يطلق على البعض منه حقيقة بالاشتراك أو باللغة أو مجازاً بالعلاقة فيكون التذكير باعتبار تذكير المشار إليه ﴿عَلَى جَبَلٍ﴾ من الجبال وهي ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلاً سوى التلول كما في زهرة الرياض وهي محركة كل وتد للأرض عظم وطال فإن انفرد فأكمة وقنة بضم القاف واعتبر معاينة فاستعير واشتق منه بحسب فقيل فلان جبل لا يتدحرج تصور المعنى الثبات وجبله الله على كذا إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله ﴿لَّرَأَيْتَهُ﴾ يأمن من شأنه الرؤية أو يا محمد مع كونه علماً في القسوة وعدم التأثر مما يصادمه ﴿خَـاشِعًا﴾ خاضعاً ذليلاً وهو حال من الضمير المنصوب في قوله لرأيته لأنه من الرؤية البصرية قال بعضهم : الخشوع انقياد الباطن للحق والخضوع انقياد الظاهر له وقال بعضهم : الخضوع في البدن والخشوع في الصوت والبصر قال الراغب الخشوع ضراعة وأكثر ما يستعمل فيما يوجد في الجوارح والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ولذلك قيل فيما روى إذا ضرع القلب خشعت الجوارح ﴿مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ أي متشققاً منها أن يصيبه فيعاقبه والصدع شق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما ومنه استعير الصداع وهو الانشقاق في الرأس من الوجع قال العلماء هذا بيان وتصوير لعلو شأن القررن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ أريد به توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه والمعنى لو ركب في الجبل عقل وشعور كما ركب فيكم أيها الناس ثم أنزل عليه القرآن ووعد وأوعد حسب حالكم لخشع وخضع وتصدع من خشية الله حذراً من أن لا يؤدي حق الله تعالى في تعظيم القرآن والامتثال لما فيه من أمره ونهيه والكافر المنكر أقسى منه ولذا لا يتأثر أصلاً "مصراع" أي دل سنكين تويك ذره سوهان كيرنيست.
وهو كما تقول لمن تعظه ولا ينجع فيه وعظك لو كلمت هذا الحجر لأثر فيه ونظيره قول الإمام مالك للشافعي لو رأيت أبا حنيفة رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقامت حجته :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
دلرا اثر روى توكل وش كند
جانرا سخن خوب تو مدهوش كند
آتش كه شراب وصل تونوش كند
از لطف توسوختن فراموش كند
يقول الفقير : فيه ذهول عن أن الله تعالى خلق الأشياء كلها ذات حياة وإدراك في الحقيقة وإلا لما اندك الجبل عند التجلي ولما شهد للمؤذن كل رطب ويابس سمع صوته ونحو ذلك وقد كاشف عن هذه الحياة أهل الله وغفل عنها المحجوبون على ما حقيق مراراً نعم فرق بين الجبل عند التجلي وعندما أنزل عليه القرآن وبينه عند الاستثار وعدم الإنزال فإن أثر الحياة في الصورة الأولى محسوس مشاهد للعامة والخاصة وأما في الصورة الثانية فمحسوس للخاصة فقط فاعرف ﴿وَتِلْكَ الامْثَـالُ﴾ إشارة إلى هذا المثل وإلى أمثاله في مواضع من التنزيل أي
٤٥٢


الصفحة التالية
Icon