﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إله إِلا هُوَ﴾ هو في أصل وضعه كناية عن المفرد المذكر الغائب وهي كناية عن المفردة المؤنثة الغائبة وكثيراً ما يكنى به عمن لا يتصور فيه الذكورة والأنوثة كما هو ههنا فإنه راجع إلى الله تعالى للعلم به ولك أن تقول هو موضوع لمفرد ليس فيه تأنيث حقيقة وحكماً وهر لمفرد يكون يكون فيه ذلك وهو مبتدأ خبره لفظة الله بمعنى هو المعبود بالحق المسمى بهذا الاسم الأعظم الدال على جلال الذات وكمال الصفات فلا يلزم أن يتحد المبتدأ والخبر بأن يكون التقدير الله الله إذ لا فائدة فيه أو الله بدل من هو والموصول مع صلته خبر المبتدأ أو هو إشارة إلى الشأن والله مبتدأ والذي لا إله إلا هو خبره والجملة خبر ضمير الشان ولا في كلمة التوحيد لنفي أفراد الجنس على الشمول والاستغراق واله مبني على الفتح بها مرفوع المحل على الابتداء والمراد به جنس المعبود بالحق لا مطلق جنس المعبود حقاً أو باطلاً فلا يصح في نفسه لتعدد الآلهة الباطلة ولا يفيد التوحيد الحق وإلا هو مرفوع على البدلية من محل المنفي أو من ضمير الخبر المقدر للا والخبر قد يقدر موجود فيتوهم أن التوحيد يكون باعتبار الوجود لا الإمكان فإن نفيوجود اله غير الله لا يستلزم نفي إمكانه وقد يقدر ممكن فيتوهم أن إثبات الإمكان لا يقتضي الوقوع فكم من شيء ممكن لم يقع وقد يقدر لنا فيتوهم أنه لا بد من مقدر فيعود الكلام والجواب أنه إذا كان المراد بالإله المعبود بالحق كما ذكر فهو لا يكون إلا رب العالمين مستحقاً لعبادة المكلفين فإذا نفيت الألوهية على هذا المعنى عن غيره تعالى وأثبتت له سبحانه يندفع التوهم على التقادير كلها إن قيل إن أراد القائل لا إله إلا الله شمول النفي له تعالى ولغيره فهو مشكل نعوذ بالله مع أن الاستثناء يكون كاذباً وإن أراد شموله لغيره فقط فلا حاجة إلى الاستثناء أجيب بأن مراده في قلبه هو الثاني إلا أنه يرى التعميم ظاهراً في أول الأمر ليكون الإثبات
٤٥٤
بالاستثناء آكد في آخر الأمر فالمعنى لا إله غيره وهذا حال الاستثناء مطلقاً قال الشيخ أبو القاسم : هذا القول وإن كان ابتداؤه النفي لكن المراد به الإثبات ونهاية التحقيق فإن قول القائل لا أخ لي سواك ولا معين لي غيرك آكد من قوله أنت أخي ومعيني وكل من لا إله إلا الله ولا إله إلا هو كلمة توحيد لوروده في القرآن بخلاف لا إله إلا الرحمن فإنه ليس بتوحيد مع أن إطلاق الرحمن على غيره تعالى غير جائز وإطلاق هو جائز نعم أن الأولى كونه توحيداً إلا أنه لم يشتهر به التوحيد أصالة بخلافهما.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
اعلم أن هو من أسماء الذات عند أهل المعرفة لأنه بانفراده عن انضمام لفظ آخر إشارة إلى الله مستجمع لجميع الصفات المدلول عليها بالأسماء الحسنى فهو من جملة الأذكار عند الأبرار قال الإمام القشيري رحمه الله هو للإشارة وهو عند هذه الطائفة أخبار عن نهاية التحقيق فءذا قلت هو لا يسبق إلى قلوبهم غيره تعالى فيكتفون به عن كل بيان يتلوه لاستهلاكهم في حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على أسرارهم وقال الإمام الفاضل محمد بن أبو بكر الرازي رحمه الله في شرح الأسماء الحسنى.
اعلم أن هذا الاسم عند أهل الظاهر مبتدأ يحتاج إلى خبر ليتم الكلام وعند أهل الطريق لا يحتاج بل هو مفيد وكلام تام بدون شيء آخر يتصل به أو يضم له لاستهلاكهم في حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على أسرارهم وقال الشيخ العارف أحمد الغزالي أخو الإمام محمد الغزالي رحمه الله كاشف القلوب بقوله : لا إله إلا الله وكاشف الأرواح بقول الله وكاشف الأسرار بقول هو هو لا إله إلا الله قوت القلوب والله قوت الأرواح وهو قوت الأسرار فلا إله إلا الله مغناطيس القلوب والله مغناطيس الأرواح وهو مغناطيس الأسرار والقلب والروح والسر بمنزلة درة في صدفة في حقة فانظر أنه رحمه الله في أي درجة وضع هو وعن بعض المشايخ رأيت بعض الوالهين فقلت له : ما اسمك؟ فقال : هو قلت من أنت؟ قال هو قلت : من أين تجيء قال : هو قلت : من تعني بقولك هو قال : هو فما سألته عن شيء إلا قال هو فقلت : لعلك تريد الله فصاح وخرجت روحه فكن من الذاكرين بهو ولا تلتفت إلى المخالفين فإنهم من أهل الأهواء ولكل من العقل والنفس والقلب والروح معنيان أما العقل فيطلق على قوة دراكة توجد في الإنسان بها يدرك مدركاته وعلى لطيفة ربانية هي حقيقة الإنسان المستخدمة للبدن في الأمور الدنيوية والأخروية وهي العالم والعارف والعاقل وهي الجاهل والقاصر والغافل إلى غير ذلك وكذا النفس تطلق على صفة كائنة في الإنسان جامعة للأخلاق المذمومة داعية إلى الشهوات باعثة على الأهواى والآفات وتطلق على تلك اللطيفة المذكورة كما قال بعض الأفاضل :
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
وتطلب الربح مما فيه خسران
عليك بالنفس فاستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥


الصفحة التالية
Icon