وكذا القلب يطلب على قطعة لحم صنوبرية تكون في جوف الإنسان وعلى تلك اللطيفة وكذا الروح يطلق على جسم لطيف وعلى اللطيفة الربانية المذكورة فكل من الألفاظ الأربعة يطلق على نفس الإنسان الذي هو المتكلم والمخاطب والمثاب والمعاقب الأصالة
٤٥٥
وبتبعيتها يقع الثواب والعقاب للجسد الذي هو القفص لها فالتغاير على هذا اعتباري فإن النفس نفس باعتبار أنها نفس الشيء وذاته وعقل باعتبار إدراكها وقلب باعتبار انقلابها من شيء إلى شيء وروح باعتبار استراحتها بما يلائمها وتستلذ به وعلى المعاني الأخر لهن حقيقي ثم إن النفس إما أن تكون تابعة للهوى فهي الأمارة لمبالغة أمرها للأعضاء بالسيئات فذكر دائرة النفس لا إله إلا الله وإما أن يهب الله له الإنصاف والندامة على تقصيراتها والميل إلى التدارك لما فات من المهمات فهي اللوامة للومها صاحبها بل نفسها على سوء عملها فذكر هذه الدائرة الله الله ويقال لها دائرة القلب لانقلابها إلى جانب الحق وإما أن تطمئن إلى الحق وتستقر في الطاعة وتتلذذ بالعبادة فهي المطمئنة لاطمئنانها تحت أمر الله بحب الله ويقال لهذه الدائرة دائرة الروح لاستراحتها بعبادة الله وذكره وتلذذها بشكره وذكر هذه الدائرة هو هو وأما ما قال بعض الكبار من أن الذكر بلا إله إلا الله أفضل من الذكر بكلمة الله الله وهو هو من حيث أنها جامعة بين النفي والإثبات ومحتوية على زيادة العلم والمعرفة فبالنسبة إلى حال المبتدى فكلمة التوحيد تظهر مرءاة النفس بنارها فتوصل السالك إلى دائرة القلب وكلمة الله تنور القلب بنورها فتوصل إلى دائرة الروح وكلمة هو تجلي الروح فتوصل من شاء الله إلى دائرة السر والسر لفظ استأثره المشايخ للحقيقة التي هي ثمرة الطريقة التي هي خلاصة الشريعة التي هي لازمة القبول لكل مؤمن إما أخذاً مما روي عن النبي عليه السلام أنه قال حكاية عن الله بيني وبين عبدي سر لا يسعه ملك مقرب ولا نبي مرسل وإما لكونه مستوراً عن أكثر الناس ليس من لوازم الشريعة والطريقة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم يشهد الله أينما يبدو أنه لا إله إلا هو :
هست هر ذره بو حدث خويش
يش عارف كواه وحدت او
اك كن جامى از غبار دويى
لوح خاطر كه حق يكيست نه دو
﴿عَـالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ﴾ اللام للاستغراق فيعلم كل غيب وكل شهادة أي ما غاب عن الحسن من الجواهر القدسية وأحوالها وما حضر له من الإجرام وإعراضها ومن المعدوم والموجود فالمراد بالغيب حينئذ ما غاب عن الوجود ومن السر والعلانية ومن الآخرة والأولى ونحو ذلك قال الراغب : ما غاب عن حواس الناس وبصائرهم وما شهدوه بهما والمعلومات إما معدومات يمتنع وجودها أو معدومات يمكن وجودها وإما موجودات يمتنع عدمها أو موجودات لا يمتنع عدمها ولكل من هذه الأقسام الأربعة أحكام وخواص والكل معلوم تعالى وقدم الغيب على الشهادة لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به من حيث كونه موجوداً.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
واعلم أن ما ورد من إسناد علم الغيب إلى الله فهو الغيب بالنسبة إلينا لا بالنسبة إليه تعالى لأنه لا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء وإذا انتفى الغيب بالنسبة إليه انتفى العلم به أيضاً وأيضاً لما سقطت جميع النسب والإضافات في مرتبة الذات البحت والهوية الصرفة انتفت النسبة العلمية مطلقاً فانتفى العلم بالغيب فافهم ﴿هُوَ الرَّحْمَـانُ الرَّحِيمُ﴾ كرر هو لأن له شأناف شريفاً ومقاماً منيفاً من اشتغل به ملك من أعرض عنه هلك والله تعالى رحمته الدنيوية عامة لكل إنسي وجني مؤمناً كان أو كافراً :
اديم زمين سفره عام اوست
برين خان يغما ه دشمن ه دوست
على ما قال عليه السلام أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر يحق فيها الحق ويبطل الباطل كونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كل أم يتبعها ولدها ولذلك يقال يا رحمن الدنيا لأن ما فيه زيادة حرف يراد به زيادة في المعنى ورحمته الأخروية خاصة بالمؤمنين ولذا يقال يا رحيم الآخرة فعلى هذا في معنى الرحمن زيادة باعتبار المنعم عليه ونقصان باعتبار الأنواع والأفراد وفي تخصيص هذين الإسمين المنبئين عن وفور رحمته في الدارين تنبيه على سبق رحمته وتبشير للعاصين أن لا يقنطوا من رحمة الله وتنشيط للمطيعين بأنه يقبل القليل ويعطي الجزيل وحظ العبد من اسم الرحمن الرحيم أن يكون كثير الرحمة بأن يرحم نفسه أولاً ظاهراً وباطناً ثم يرحم غيره بتحصيل مراده وإرشاده والنظر إليه بعين الرحمة كما قال بعض المشايخ :
وارحم بني جميع الخلق كلهمو
وانظر إليهم بعين اللطف والشفقة
وقر كبير همو وارحم صغيرهمو
وراع في كل خلق حق من خلقه


الصفحة التالية
Icon