قال الزروقي رحمه الله كل الأسماء يصح التخلق بمعانيها إلا الاسم الله فإنه للتعلق فقط وكل الأسماء راجعة إليه فالمعرفة به معرفة بها ولا بد للعبد من قلب مفرد فيه توحيد مجرد وسر مفرد وبه يحصل جميع المقاصد سئل الجنيد قدس سره كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله تعالى قال : بتوبة تزيل الإصرار وخوف يزيل التسويف ورجاء يبعث على مسالك العمل وإهانة النفس بقربها من الأجل وبعدها من الأمل قيل له بماذا يصل العبد إلى هذا قال : بقلب مفرد فيه توحيد مجرد انتهى وهو عجيب.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
وفي التأويلات النجمية تشير الآية إلى هويته الجامعة عالم غيب الوجود المسمى باسم الباطن وعالم شهادة الوجود المسمى باسم الظاهر هو الرحمن الرحيم أي هو المتجلي بالتجلي الرحماني العام وهو المتجلي بالتجلي الرحيمي الخاص وهو المطلق عن العموم والخصوص في عين العموم والخصوص غير اعتباراته وحيثياته ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إله إِلا هُوَ﴾ كرر هو لإبراز الاعتناء بأمر التوحيد يعني اوست خداى كه بهي وجه نيست خداى سزاى ريتش مكروى ﴿الْمَلِكُ﴾ ادشاهى كه جلال ذاتش ازوجه احتياج مصونست وكمال صفاتش باستغناء مطلق مقرون فمعناه ذو الملك والسلطان والملك بالضم هو التصرف بالأمر والنهي في الجمهور وذلك يختص بسياسة الناطقين ولهذا يقال ملك الناس ولا يقال ملك الأشياء فقوله تعالى ملك يوم الدين تقديره الملك في يوم الدين كما في المفردات وعبد الملك هو الذي يملك نفسه وغيره بالتصرف فيه بما شاء الله وأمره به فهو أشد الخلق على خليقته قال الإمام الغزالي قدس سره مملكة العبد الخاصة به قلبه وقالبه وجنده شهوته وغضبه وهواه ورعيته لسانه وعيناه ويداه وسائر أعضائه فإذا ملكها ولم
٤٥٦
يطعها فقد نال تملكه درجة الملك في عالمه.
قال الشيخ سعدي :
وجود توشهريست رنيك وبد
توسلطان ودستور دانا خرد
هما ناكه دونان كردن فراز
درين شهر كبرست وسودا وآز
و سلطان عنايت كند بابدان
كجا ماند آسايش بخردان
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
فإن انضم إليه استغناؤه عن كل الناس واحتاج الناس كلهم إليه في حياتهم العاجلة والآجلة فهو الملك في العالم العرضي وتلك رتبة الأنبياء عليهم السلام فإنهم استغنوا في الهداية إلى الحياة الآخرة عن كل أحد إلا عن الله تعالى واحتاج إليهم كل أحد ويليهم في هذا الملك العلماء الذين هم ورثة الأنبياء وإنما ملكهم بقدر مقدرتهم على إرشاد العباد واستغنائهم عن الاسترشاد وهذا الملك عطية للعبد من الملك الحق الذي لا مثنوية في ملكه وإلا فلا ملك للعبد كما قيل لبعض العارفين ألك ملك؟ فقال : أنا عبد لمولاي فليس لي نملة فمن أنا حتى أقول لي شيء هذا كلام من استغرق في ملاحظة ملكية الله ومالكيته فما حكي أن بعض الأمراء قال لبعض الصلحاء سلني حاجتك قال : أولي تقول هذا ولي عبدان هما سيداك قال : من هما؟ قال الشهوة والغضب وفي بعض الرواية الحرص والهوى غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك فهو أخبار عن لطف الله وتمليكه من ضبط نفسه واستخدمها فيما يرضاه الله نصحاً لذلك الأمير ولغيره من السامعين شاهدين أو غائبين قال بعضهم لبعض الشيوخ أوصني فقال : كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة معناه اقطع طمعك وشهوتك في الدنيا فإن الملك في الحرية والاستغناء ومن مقالات أبي يزيد البسطامي قدس سره في مناجاته الهي ملكي أعظم من ملكك وذلك لأن الله تعالى ملك أبا يزيد وهو متناه وأبا يزيد ملك الله وهو باق غير متناه وخاصة اسم الملك صفاء القلب وحصول الفناء والأمرة ونحوها فمن واظب عليه وقت الزوال كل يوم مائة مرة صفا قلبه وزاد كدره ومن قرأه بعد الفجر مائة وإحدى وعشرين مرة أغناه الله من فضله أما بأسباب أو بغيرها ﴿الْقُدُّوسُ﴾ هو من صيغ المبالغة من القدس وهو النزاهة والطهارة أي البليغ في النزاهة عما يوجب نقصاناً ما وعن كل عيب وهو بالعبري قديساً ونظيره السبوح وفي تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال الزمخشري إن الضفادع تقول في نقيقها سبحان الملك القدوس قال ثعلب : كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر وقد يفتحان وقال بعضهم المفتوح قليل في الصفات كثير في الأسماء مثل التنور والسمور والسفود وغيرها قال بعض المشايخ حقيقة القدس الاعتلاء عن قبول التغير ومنه الأرض المقدسة لأنها لا تتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الأرضين واتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بالجور والظلم والاعتداء في الأحكام وفيما يترتب عليها فإن ملكه تعالى لا يعرض له ما يغيره لاستحالة ذلك في وصفه وقال بعضهم : التقديس التطهير وروح القدس جبريل عليه السلام لأنه ينزل بالقدس من الله أي ما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة أي الشرك أو لأنه يتطهر فيه من الذنوب وكذلك الأرض المقدسة وحظيرة
٤٥٨


الصفحة التالية
Icon