السلام والسلامة التعري من الآفات الظاهر والباطنة قيل وصف الله بالسلام من حيث لا تلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق انتهى وعبد السلام هو الذي تجلى له اسم السلام فسلمه من كل نقص وآفة وعيب فكل عبد سلم من الغش والحقد والحسد وإرادة الشر قلبه وسلم من الآثام والمحظورات جوارحه وسلم من الانتكاس والانعكاس صفاته فهو الذي يأتي الله بقلب سليم وهو السلام من العباد القريب في وصفه من السلام المطلق الحق الذي لا مثنوية في صفاته وأعني بالانتكاس في صفاته أن يكون عقله أسير شهوته وغضبه إذا الحق عكسه وهو أن تكون الشهوة والغضب أسيري العقل وطوعه فإذا انعكس فقد انتكس ولا سلامة حيث يصير الأمير مأموراً والملك عبداً ولن يوصف بالسلام والإسلام إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده وخاصية هذا الاسم صرف المصائب والآلام حتى أنه إذا قرىء على مريض مائة وإحدى عشرة مرة برىء بفضل الله ما لم يحضر أجله أو يخفف عنه ﴿الْمُؤْمِنُ﴾ أي الموحد نفسه بقوله شهد الله إنه لا إله إلا هو قاله الزجاج أو واهب الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الذي آمن الناس من ظلمه وآمن من آمن من عذابه وهو من الإيمان الذي هو ضد التخويف كما في قوله تعالى وآمنهم من خوف وعنه أيضاً أنه قال : إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي حتى إذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبي قال الله لباقه أنتم المسلمون وأنا السلام وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن فيخرجهم من النار ببركة هذين الإسمين.
قال الكاشفي : ايمن كننده مؤمنان ازعقوبت نيران يا داعي خلق بإيمان وأمان يا مصدق رسل باظهار معجزه وبرهان.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : المؤمن المطلق هو الذي لا يتصور أمن وأمان إلا ويكون مستفاداً من جهته وهو الله تعالى وليس يخفي أن الأعمى يخاف أن يناله هلاك من حيث لا يرى فعينه البصيرة تفيد أمناً منه والأقطع يخاف آفة لا تندفع إلا باليد واليد السليمة أمان منها وهكذا جميع الحواس والأطراف ولمؤمن خالقها ومصورها ومقومها ولو قدرنا إنساناً وحده مطلوباً من جهة أعدائه وهو ملقى في مضيق لا تتحرك عليه أعضاؤه لضعفه وإن تحركت فلا سلاح معه وإن كان معه سلاح لم يقاوم أعداءه وحده وإن كانت له جنود لم يأمن أن تنكسر جنوده ولا يجد حصناً يأوي إليه فجاء من عالج ضعفه فقواه وأمده بجنود وأصلحة وبنى حوله حصناً فقد أفاده أمناً وأماناً فبالحرى أن يسمى مؤمناً في حقه والبعد ضعيف في أصل فطرته وهو عرضة الأمراض والجوع والعطش من باطنه وعرضة الآفات المحرقة والمغرقة والجارحة والكاسرة من ظاهره ولم يؤمنه من هذه المخاوف إلا الذي أعد الأدوية دافعة لأمراضه والأطعمة مزيلة لجوعه والأشربة مميطة لعطشة والأعضاء دافعة عن بدنه والحواس جواسيس منذرة بما يقرب من مهلكاته ثم خوفه الأعظم من هلاك الآخرة ولا يحصنه منها إلا كلمة التوحيد والله هاديه إليها ومرغبه فيما حيث قال لا إله إلا الله حصني فمن دخله أمن من عذابي فلا أمن في العالم إلا وهو مستفاد من أسباب هو منفرد بخلقها
٤٦٠
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥


الصفحة التالية
Icon