قال الراغب : التكبر يقال على وجهين أحدهما أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف الله بالمتكبر وهو ممدوح والثاني أن يكون متكلفاً لذلك متشبعاً وذلك في وصف عامة الناس والموصوف به مذموم وفي الحديث :"الكبرياء ودائي والعظمة ازاري فمن نازعني في شيء منهما قصمته" قال بعضهم : الفرق بين المتكبر والمستكبر أن المتكبر عام لإظهار الكبر الحق كما في أوصاف الحق تعالى ولإظهار الكبر الباطل كما في قوله سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق والكبر ظن الإنسان أنه أكبر من غيره والتكبر إظهاره ذلك كما في العوارف والاستكبار باطلاً كما في قوله تعالى في حق إبليس استكبر وغير ذلك كما تجده في موارد استعمالاته في القرآن والحديث وقال في الأسئلة المقحمة ما معنى المتكبر من أسماء الله فإن التكبر مذموم في حق الخلق والجواب معناه هو المتعظم عما لا يليق به سبحانه وهو من الكبرياء لا من التكبر ومعناه المبالغة في العظمة والكبرياء في الله وهو الامتناع عن الإنقياد فلهذا كان مذموماً في حق الخلق وهو صفة مدح في حق الله تعالى انتهى فإن قلت ما تقول في قوله عليه السلام حين قال له عمه أبو طالب ما أطوعك ربك يا محمد وأنت يا عم لو أطعته أطاعك قلت هذه الإطاعة والانقياد للمطيع لا للخارج عن أمره فلا ينافي عدم انقياده لغيره فهو المتكبر للمتكبر كما أنه المطيع للمطيع قال بعضهم : المتكبر هو الذي يرى غيره حقيراً بالإضافة إلى ذاته فينظر إلى الغير نظر المالك إلى عبده وهو على الإطلاق لا يتصور إلا تعالى فإنه المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة إلى كل شيء من كل وجه ولذلك لا يطلق على غيره تعالى إلا في معرض الذم لما أنه يفيد التكلف في إظهار ما لا يكون قال عليه السلام : تحاجت النار والجنة فقالت : هذه يدخلني الجبارون المتكبرون وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين فقال الله لهذه أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها ومن عرف علوه تعالى وكبرياءه لازم طريق التواضع وسلك سبيل التذلل قيل الفقير في خلقه أحسن منه في جديد غيره فلا شيء أحسن على الخدم من لباس التواضع بحضرة السادة قال بعض الحكماء ما أعز الله عبداً بمثل ما يدل على ذل نفسه وما أذله بمثل ما يدل على عز نفسه.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
ـ حكي ـ أن بعضهم قال : رأيت رجلاً في الطواف وبين يديه خادمان يطردان الناس ثم بعد ذلك رأيته يتكفف على جسر فسألته عن ذلك فقال : إني تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعني الله في موضع يترفع فيه الناس وعبد المتكبر هو الذي فنى تكبره بتذلله للحق حتى قام كبرياء الله مقام كبره فيتكبر بالحق على ما سواه فلا يتذلل للغير قال الإمام الغزالي قدس سره المتكبر من العباد هو الزاهد ومعنى زهد العارف أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويتكبر في كل شيء سوء الله تعالى فيكون مستقراً للدنيا والآخرة مرتفعاً عن أن يشغله كلتاهما عن الحق وزهد العارف معاملة ومعارضة فهو إنما يشتري بمتاع الدنيا متاع الآخرة فيترك الشيء عاجلاً طمعاً في إضعافه آجلاً وإنما هو سلم ومبايعة ومن استبعدته
٤٦٥
شهوته المطعم والمنكح فهو حقير وإنما المتكبر من يستحقر كل شهوة وحظ بتصور أن تشاركه فيها البهائم وخاصية هذا الاسم الجلالة ظهور الخير والبركة حتى أن من ذكره ليلة دخوله بزوجته عند دخوله عليها وقرأه قبل جماعها عشراً رزق منها ولداً صالحاً ذكراً وفي الأربعين الإدريسية يا جليل المتكبر على كل شيء فالعدل أمره والصدق وعده قال السهر وردي رحمه الله مداومه بلا فترة يجل قدره ويعز أمره ولا يقدر أحد على معارضته بوجه ولا بحال ﴿سُبْحَـانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ تنزيه له تعالى عما يشركون به تعالى أو عن إشراكهم به أثر تعداد صفات لا يمكن أن يشاركه تعالى في شيء منها شيء ما أصلاً أي سبحوا الله تسبيحاً ونزهوه تنزيهاً عما يشركه الكفار به من المخلوقات فالله تعالى أورده لإظهار كمال كبريائه وللتعجب من إثبات الشرك بعدما عاينوا آثار اتصافه بجلال الكبرياء وكمال العظمة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥


الصفحة التالية
Icon