والحاصل أن الخالق هنا المقدر على الحكمة الملائكة لنظام العالم والبارىء الموجد على ذلك التقدير والمصور المبدع لصور الكائنات وأشكال المحدثات بحيث يترتب عليها خواصهم ويتم بها كمالهم وبهذا ظهر وجه الترتيب بينهما واستلزام التصوير البرء والبرء الخلق استلزام الموقوف الموقوف عليه كما قال الإمام الغزالي رحمه الله وقدس سره قد يظن أن هذه الأسماء مترادفة وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع ولا ينبغي أن يكون كذلك بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى التقدير أولاً وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانياً وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً والله تعالى خالق من حيث أنه مقدر وبارىء من حيث أنه مخترع موجد ومصور من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب وهذا كالبناء مثلاً فإنه محتاج إلى مقدر يقدر ما لا بد منه من الخشب واللبن ومساحة الأرض وعدد الأبنية وطولها وعرضها وهذا يتولاه المهندس فيرسمه ويصوره ثم يحتاج إلى بناء يتولى الأعمال التي عندها تحدث وتحصل أصول الأبنية ثم يحتاج إلى مزين ينقش ظاهره ويزين صورته فيتولاه غير البناء هذه هي العادة في التقدير والبناء والتصوير وليس كذلك في أفعال الله تعالى بل هو المقدر والموجد والمزين فهو الخالق البارىء المصور فقدم ذكر الخالق على البارىء لأن الإرادة والتقدير مقدمة على تأثير القدرة وقدم البارىء
٤٦٧
على المصور لأن إيجاد الذات متقدم على إيجاد الصفات وعن حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه أنه قرأ البارىء المصور بفتح الواو ونصب الراء الذي يبرأ المصور أي يميز ما يصوره بتفاوت الهيئات واختلاف الأشكال وعبد المصور هو الذي لا يتصور ولا يصور إلا ما طابق الحق ووافق تصويره لأن فعله يصدر عن مصوريته تعالى ولذا قال بعضهم : حظ العارف من هذه الأسماء أن لا يرى شيئاً ولا يتصور أمراً إلا ويتأمل فيما فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع فيترقى من المخلوق إلى الخالق وينتقل من ملاحظة المصنوع إلى ملاحظة الصانع حتى يصير بحيث كلما حتى يصير بحيث كلما نظر إلى شيء وجد الله عنده وخاصية الاسم المصور الإعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار ونحوها حتى أن العاقر إذا ذكرته في كل يوم إحدى وعشرين مرة على صوم بعد الغروب وقبل الإفطار سبعة أيام زال عقمها وتصور الولد في رحمها بإذن الله تعالى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
﴿لَهُ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى﴾ لدلالتها على المعاني الحسنة كما سبق في سورة طه.
قال الكاشفي : مر اوراست نامهاى نيكى كه در شرع وعقل سنديده ومستحسن باشدع والحسنى صيغة تفضيل لأنها تأنيث الأحسن كالعليا في تأنيث الأعلى وتوصيف الأسماء بها للزيادة المطلقة إذ لا نسبة لأسمائه إلى غير الأسماء من أسماء الغير كما لا نسبة لذاته المتعالية إلى غير الذوات من ذوات الغير وأسماء الله تسعة وتسعون على ما جاء في الحديث ونقل صاحب اللباب عن الإمام الرازي أنه قال : رأيت في بعض كتب الذكر أن تعالى أربعة آلاف اسم ألف منها في القرآن والأخبار الصحيحة وألف في التوراة وألف في الإنجيل وألف في الزبور.
ـ روي ـ إن من دعاء رسول الله عليه السلام : أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب فلعل كونها تسعة وتسعين بالنظر إلى الأشهر الأشرف الأجمع وتعدد الأسماء لا يدل على تعدد المسمى لأن الواحد يسمى أبا من وجه وجداً من وجه وخالاً من وجه وعالماً من وجه وذاته متحدة قال عبد الرحمن البسطامي قدس سره في ترويح القلوب : اعلم أن من السر المكتوم في الدعاء أن تأخذ حروف الأسماء التي تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ إلا ألف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظر كما لها من الأعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد في موضع خال من الأصوات بالشرائط المعتبرة عند أهل الخلوة لا تزيد على العدد ولا تنقص منه فإنه يستجاب لك بالوقت وهو الكبريت الأحمر بإذن الله تعالى فإن الزيادة على العدد المطلوب إسراف والنقص منه إخلال والعدد في الذكر بالأسماء كأسنان المفتاح لأنها زادت ونقصت لا تفتح الباب وقس عليه باب الإجابة فافهم السر وصن الدر.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
ثم اعلم أن العارفين يلاحظون في الأسماء آلة التعريف وأصل الكلمة والملامية يطرحون منها آلة التعريف لأنها زائدة على أصل الكلمة قال العلماء : الاسم هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع والمسمى هو المعنى الموضع له والتسمية وضعا للفظ له أو إطلاقه عليه وإطلاق الاسم على الله تعالى توقفي عند البعض بحيث لا يصح إطلاق شيء منه عليه إلا بعد أن كان وارداً في القرآن أو الحديث الصحيح وقال آخرون : كل لفظ دل على معنى
٤٦٨


الصفحة التالية
Icon