يليق بجلال الله وشأنه فهو جائز الإطلاق وإلا فلا ومن أدلة الأولين أن الله عالم بلا مرية فيقال له عالم وعليم وعلام لوروده في الشرع ولا يقال له عارف أو فقيه أو متيقن إلى غير ذلك مما يفيد معنى العلم ومن أدلة الآخرين أن الأسماءوصفاته مذكورة بالفارسية والتركية والهندية وغيرها مع أنها لم ترد في القرآن والحديث ولا في الأخبار وأن المسلمين أجمعوا على جواز إطلاقها ومنها أن الله تعالى قال : ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها والاسم لا يحسن إلا لدلالته على صفات الكمال ونعوت الجلال فكل اسم دل على هذه المعاني كان اسماً حسناً وأنه لا فائدة في الألفاظ إلا رعاية المعاني فإذا كانت المعاني صحيحة كان المنع من إطلاق اللفظ المفيد غير لائق غاية ما في الباب أن يكون وضع الاسم علماً له مستحدثاً وذكر ما يوهم معنى غير لائق به تعالى ليس بأدب أما ذكر ما هو دال على معنى حسن ليس فيه إيهام معنى مستنكر مستنفر فليس فيه من سوء الأدب شيء ﴿يُسَبِّحُ لَه مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ ينطق بتنزهه عن جميع النقائص تنزهاً ظاهراً قال في كشف الأسرار : يسبح له جميع الأشياء إما بياناً ونطلقاً وإما برهاناً وخلقاً وقد مر الكلام في هذا التسبيح مراراً وجمهور المحققين على أنه تسبيح عبارة وهو لا ينافي تسبيح الإشارة وكذا العكس ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ الجامع للكمالات كافة فإنها مع تكثرها وتشعبها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم قال الإمام الغزالي رحمه الله الحكيم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأجل العلوم وأجل الأشياء هو الله تعالى وأجل العلوم هو العلم الأزلي الدائم الذي لا يتصور زواله فليس يعلم الله حقيقة إلا الله ومن عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله بقدر الطاقة البشرية لم يستحق أن يسمى حكيماً فمن عرف الله فهو حكيم وإن كان ضعيف القوة في العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها إلا أن نسبة حكمة العبد إلى حكمة الله كنسبة معرفته إلى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين ولكنه مع بعده عنه هو أنفس المعارف وأكثرها خيراً ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب وعبد الحكيم هو الذي بصره الله بمواقع الحكمة في الأشياء ووفقه للسداد في القول والصواب في العمل وهو يرى خللاً في شيء ألا يسده ولا فساداً ألا يصلحه وخاصية هذا الاسم دفع الدواهي وفتح باب الحكمة فمن أكثر ذكره صرف الله عنه ما يخشاه من الدواهي وفتح الله باب الحكمة وإنما مدح الله نفسه بهذه الصفات العظام تعليماً لعباده المدح بصفاته العلي بعد فهم معانيها ومعرفة استحقاقه بذلك طلباً لزيادة تقربهم إليه قال أبو الليث في تفسيره فإن قال قائل قد قال الله فلا تزكوا أنفسكم فما الحكمة في أن الله تعالى نهى عباده عن مدح أنفسهم ومدح نفسه قيل له عن هذا السؤال جوابان أحدهما أن العبد وإن كان فيه خصال الخير فهو ناقص وإذا كان ناقصاً لا يجوز له أن يمدح نفسه والله تعالى تام الملك والقدرة فيستوجب بهما المدح فمدح نفسه ليعلم عباده فيمدحوه والجواب الآخر أن العبد وإن كان فيه خصال الخير فتلك أفضال من الله تعالى ولم يكن ذلك بقوة العبد فلهذا لا يجوز أن يمدح نفسه ونظير هذا أن الله تعالى نهى عباده أن يمنوا على أحد بالمعروف وقد من على عباده للمعنى
٤٦٩
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
الذي ذكر في المدح قال بعض الكبار تزكية الإنسان لنفسه سم قاتل وهي من باب شهادة الزور لجهله بمقامه عند الله إلا أن يترتب على ذلك مصلحة دينية فللإنسان ذلك كما قال عليه السلام : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر أي لا أفتخر عليكم بالسيادة إنما الفخر بالعبودية والفخر بالذات لا يكون إلاوحده وأما الفخر في عباده فإنما هو للرتب فيقال صفة العلم أفضل من صفة الجهل ونحو ذلك ولا يخفى أن الرتب نسبة عدمية فما افتخر من افتخر إلا بالعدم ولذلك أمر الله نبيه أن يقول إنما أنا بشر مثلكم فلم ير لذاته فضلاً على غيره ثم ذكر شرف الرتبة بقوله يوحى إلي.


الصفحة التالية
Icon