لعل الممتحنة مأخوذة من قول الله تعالى فيما بعد يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن أمر الله المؤمنين هناك بالامتحان فهم الممتحنون بكسر الحاء مجاز للمبالغة وأضيفت السورة إليها وسميت بسورة الممتحنة مثل سورة الفاتحة قيل إن إضافة السورة إلى الفاتحة من قبيل إضافة العام إلى الخاص ولا بعد أن تكون من قبيل إضافة المسمى إلى اسمه مثل كتاب الكشاف فإن الفاتحة من جملة أسماء سورة الفاتحة وقس على ذلك سورة الممتحنة ويحتمل أن يكون المراد الجماعة الممتحنة أي المأمور بامتحانها ويؤيده ما روى أنه قد تفتح الحاء فيكون المراد النساء المحتبرة فالإضافة بمعنى اللام التخصيصية أي سورة تذكر فيها النساء الممتحنة مثل سورة البقرة وأمثالها ويحتمل أن يكون مصدراً ميمياً بمعنى الامتحان على ما هو المشهور من أن المصدر الميمي وأسماء المفعول والزمان والمكان فيما زاد على الثلائي تكون على صيغة واحدة أي سورة الامتحان مثل سورة الإسراء وغيرها يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة العبسي وحاطب بالحاء المهملة قال في كشف الأسرار : ولد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصله من الأزد وهو حي باليمن وأَتقه عبيد الله بن حميد بن زهير الذي قتله علي رضي الله عنه يوم بدر كافراً وكان حاطب يبيع الطعام ومات بالمدينة وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان من المهاجرين
٤٧٢
وشهد بدراً وبيعة الرضوان وعمم الله الخطاب في الآية تعميماً للنصح والعدو فعول من عدا كعفو من عفا ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد والمراد هنا كفار قريش وذلك أنه لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلّم لغزوة الفتح في السنة الثامنة من الهجرة كتب حاطب إلى أهل مكة أن رسول الله يريدكم فخذوا خذركم فإنه قد توجه إليكم في جيش كالليل وأرسل الكتاب مع سارة مولاة بني عبد المطلب أي معتقتهم وأعطاها عشرة دنانير وبردة وكانت سارة قدمت من مكة وكانت مغنية فقال لها عليه السلام لماذا جئت فقالت : جئت لتعطيني شيئاً فقال : ما فعلت بعطياتك من شبان قريش فقالت : مذ قتلتهم ببدر لم يصل إلي شيء إلا القليل فأعطاها شيئاً فرجعت إلى مكة ومعها كتاب حاطب فنزل جبرائيل عليه السلام بالخبر فبعث رسول الله عليه السلام علياً وعماراً وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ موضع بين الحرمين وخاخ بالمعجمتين يصرف ويمنع فإن بها ظعينة وهي المرأة ما دامت في الهودج وإذا لم تكن فيه فهي المرأة معها كتاب حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها فخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها فادركوها ثمة فجحدت فسل علي رضي الله عنه سيفه فأخرجته من عقاصها أي من ضفائرها.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢
ـ روي ـ أن رسول الله عليه السلام أمن جميع الناس يوم فتح مكة إلا أربعة هي أحدهم فأمر بقتلها فاستحضر رسول الله حاطباً فقال : ما حملك على هذا؟ فقال : يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك الغش ترك النصح والنصح عبارة عن التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لأوامره ونواهيه ولكنني كنت أمرأ ملصقاً في قريش أي حليفاً ولم أكن من أنفسهم ومن معك من المهاجرين كان له فيهم قرابات يحمون أهاليهم وأموالهم وليس فيهم من يحمي أهلي فأردت أن آخذ عندهم يداً أي أجعل عندهم نعمة ولم أفعله كفراً وارتداداً عن ديني وقد علمت أن كتاب لا يغني عنهم شيئاً فصدقه رسول الله وقبل عذره فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال : يا عمر إنه شهد ردراً وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر رضي الله عنه وفي القصة إشارة إلى جواز هتك ستر الجواسيس وهتك أستار المفسدين إذا كان فيه مصلحة أو في ستره مفسدة وإن من تعاطى أمراً محظوراً ثم ادعى له تأويلاً محتملاً قبل منه وإن العذر مقبول عند كرام الناس.
ـ روي ـ أن حاطباً رضي الله عنه لما سمع يا أيها الذين آمنوا غشى عليه من الفرح بخطاب الإيمان لما علم أن الكتاب المذكور ما أخرجه عن الإيمان لسلامة عقيدته ودل قوله وعدوكم على إخلاصه فإن الكافر ليس بعدو للمنافق بل للمخلص ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾ الود محبة الشيء وتمني كونه ويستعمل في كل واحد من المعنيين أي توصلون محبتكم بالمكاتبة ونحوها من الأسباب التي تدل على المودة على أن الباء زائدة في المفعول كما في قوله تعالى ولا تلقلوا بأيديكم إلى التهلكة أو تلقون إليهم أخبار النبي عليه السلام بسبب المودة التي بينكم وبينهم فيكون المفعول
٤٧٣