أن إبراهيم كان له اتباع مؤمنون في مكافحة نمرود وفي البخاري أنه قال لسارة حين رحل بها إلى الشأم مهاجراً بلاد نمرود ما على الأرض من يعبد الله غيري وغيرك ﴿إِذْ قَالُوا﴾ ظرف لخبر كان ومعمول له أو لكان نفسها عند من جوز عملها في الظرف وهو الأصح ﴿لِقَوْمِهِمْ﴾ الكفار ﴿إِنَّا بُرَءَاؤُا مِنكُمْ﴾ جميع بريء كظريف وظرفاء يعني ما بيزاريم ازشما ﴿وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ من أصنام أظهروا البراءة أولاً من أنفسهم مبالغة وثانياً من عملهم الشرك إذ المقصود من البراءة أولاً من معبودهم هو البراءة من عبادته ويحتمل أن تكون البراءة منهم أن لا يصاحبوهم ولا يخالطوهم ومن معبودهم أن لا يقربوا منه ولا يلتفتوا نحوه ويحتمل أن تكون البراءة منهم بمعنى البراءة من قرابتهم لأن الشرك يفصل بين القرابات ويقطع الموالاة وحاصل الآية هلا فعلتم كما فعل إبراهيم حيث تبرأ من أبيه وقومه لكفرهم وكذا المؤمنون ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ أي بدينكم على إضمار المضاف والكفر مجاز عن عدم الاعتداد والجحد والإنكار فإن الدين الباطل ليس بشيء إذ الدين الحق عند الله هو الإسلام ﴿وَبَدَا﴾ بدا الشيء بدوا وبداء أي ظهر ظهوراً بيناً والبادية كل مكان يبدو ما يعن فيه أي يعرض ﴿بَيْنَنَا﴾ ظرف لبدا ﴿وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَدًا﴾ أي هذا دأبنا معكم لا نتركه والبغض ضد الحب.
وقال الكاشفي : وآشكار اشد ميان ما وشماد شمني بدل ودشمني بدست يعني محاربه أبداً هميشه يعني يوسته دشمنى قائم خواهد بود درميان بدل ودست
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢
﴿حَتَّى﴾ غاية لبدا ﴿تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة حينئذ ولاية والبغضاء محبة والمقت مقة والوحشة إلفة فالبغض نفور النفس من الشيء الذي ترغب عنه والحب انجذا النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه فإن قلت ما وجه قوله حتى تؤمنوا بالله وحده ولا بد في الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قلت : الإيمان بالله في حال وحدته يستلزم الإيمان بالجميع مع أن المراد الوحدة الإلهية رداً للأصنام قال بعض المشايخ إسوة إبراهيم خلة الله والتبري مما دون الله والتخلق بخلق الله والتأوه والبكاء من شوق الله وقال ابن عطاء رحمه الله : الأسوة القدوة بالخليل في الظاهر من الأخلاق الشريفة وهو السخاء وحسن الخلق واتباع ما أمر به على الكرب وفي الباطن الإخلاص في جميع الأفعال والإقبال عليه في كل الأوقات وطرح الكل في ذات الله تعالى وأسوة رسول الله عليه السلام في الظاهر العبادات دون البواطن والأسرار لأن أسراره لا يطيقها أحد من الخلق لأنه باين الأمة بالمكان ليلة المعراج ووقع عليه تجلي الذات :
سهدار رسل سرخيل دركاه
سرير افروز ملك لي مع الله
﴿إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لابِيهِ﴾ آزر ﴿لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ يا أبي استثناء من قوله تعالى أسوة حسنة فإن استغفاره عليه السلام لأبيه الكافر وإن كان جائزاً عقلاً وشرعاً لوقوعه قبل تبين أنه من أصحاب الجحيم كما نطق به النص لكنه ليس مما ينبغي أن يؤتسى به أصلاً إذ المراد به ما يجب الائتساء به حتماً لورود الوعيد على الإعراض عنه بما سيأتي من قوله تعالى ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد فاستثناؤه من الأسوة إنما يفيد عدم استدعاء الإيمان
٤٧٧
والمغفرة للكافر المرجو إيمانه وذلك مما لا يرتاب فيه عاقل وإما عدم جوازه فلا دلالة للاستثناء عليه قطعاً وحمل الأب على العم يخالف العقل والنقل لأن الله تعالى يخرج الحي من الميت والعبرة بالحسب لا بالنسب وعن علي رضي الله عنه شرف المرء بالعلم والأدب لا بالأصل والنسب :
هنر بنماى اكر دارى نه كوهر
كل از خارست وابراهيم از آزر
﴿وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَىْءٍ﴾ من تمام القول المستثنى فمحله النصب على أنه حال من فاعل لأستغفرن لك أي أستغفر لك وليس في طاقتي إلا الاستغفار دون منع العذاب إن لم تؤمن فمورد الاستثناء نفس الاستغفار لا قيده الذي هو في نفسه من خصال الخير لكونه إظهاراً للعجز وتفويضاً للأمر إلى الله تعالى وفي هذه الآية دلالة بينة على تفضيل نبيه محمد عليه السلام وذلك أنه حين أمر بالاقتداء به أمر على الإطلاق ولم يستثن فقال : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وحين أمر بالاقتداء بإبراهيم استثنى وأيضاً قال تعالى في سورة الأحزاب : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر اللهكثيراً فأطلق الاقتداء ولم يقيده بشيء.
قال الصائب :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢
هلاك حسن خدا داد او شوم كه سرا
و شعر حافظ شيرازى انتخاب ندارد


الصفحة التالية
Icon