﴿رَبَّنَا﴾ الخ من تمام ما نقل عن إبراهيم ومن معه من الأسوة الحسنة ﴿عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾ اعتمدنا يعني از خلق بريديم واعتماد كلي بر كرم تونموديم ﴿وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا﴾ رجعنا بالاعتراف بذنوبنا وبالطاعة ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ أي الرجوع في الآخرة وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والإنابة والمصير على الله تعالى :
سوى تو كرديم روى ودل بتو بستيم
زهمه باز آمديم وباتو تشستيم
هره نه يوند يار بود بربديم
هره نه يمان دوست بود كسستيم
قالوه بعد المجاهدة وشق العصا التجاء إلى الله تعالى في جميع أمورهم لا سيما في مدافعة الكفرة وكفاية شرورهم كما ينطق به قوله تعالى :﴿رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نطيقه فالفتنة بمعنى المفعول وربنا بدل من الأول وكذا قوله ربنا فيما بعده وقال بعضهم : ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فتقتر علينا الرزق وتبسطه عليهم فيظنوا أنهم على الحق ونحن على الباطل ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ ما فرط منا من الذنوب وإلا كان سبباً لظهور العيوب وباعثاً للابتلاء المهروب ﴿رَبَّنَا﴾ تكرير النداء للمبالغة في التضرع والجؤار فيكون لاحقاً بما قبله ويجوز أن يكون سابقاً لما بعده توسلاً إلى الثناء بإثبات العزة والحكمة والأول أظهر وعليه ميل السجاوندي حيث وضع علامة الوقف الجائز على ربنا وهو في اصطلاحه ما يجوز فيه الوصل والفصل باعتبارين وتلك العلامة الجيم بمسماه وهو.
ج.
﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب الذي لا يذل من التجأ إليه ولا يخيب رجاء من توكل عليه ﴿الْحَكِيمُ﴾ لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة وقال بعض أهل الإشارة تعز أولياءك بالفناء فيك وتحييهم ببقائك بلطائف حكمتك فيكون المراد بالفتنة غلبة ظلمة النفس
٤٧٨
والهوى وبالمغفرة الستر بالهوية الأحدية عن الانيات وبالصفات الواحدية عن التعينات ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ﴾ أي في إبراهيم ومن معه ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢
تكرير للمبالغة في الحث على الائتساء به عليه السلام وذلك صدر بالقسم وجعله الطيبي من التعميم بعد التخصيص وفي برهان القرآن كرر لأن الأول في القول والثاني في الفعل وفي فتح الرحمن الأولى أسوة في العداوة والثانية في لخوف والخشية وفي كشف الأسرار الأولى متعلقة بالبراءة من الكفار ومن فعلهم والثانية أمر بالائتساء بهم لينالوا من ثوابهم ما نالوا وينقلبوا إلى الآخرة كانقلابهم ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ﴾ بالإيمان بلقائه ﴿وَالْيَوْمَ الاخِرَ﴾ بالتصديق بوقوعه وقيل يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة لأن الرجاء والخوف يتلازمان والرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة وفي المفردات الرجاء والطمع توقع محبوب عن إمارة مظنونة أو معلومة والخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة وفي بعض التفاسير الرجاء يجيىء بمعنى توقع الخير وهو الأمل وبمعنى توقع الشر وهو الخوف وبمعنى التوقع مطلقاً وهو في الأول حقيقة وفي الأخيرين مجاز وفي الثاني من قبيل ذكر الشيء وإرادة ضده وهو جائز وفي الثالث من قبيل ذكر الخاص وإرادة العام وهو كثير قوله لمن كان الخ بدل من لكم وفائدته الإيذان بأن من يؤمن بالله واليوم الآخر لا يترك الاقتداء بهم وإن تركه من مخايل عدم الإيمان بهما كمنا ينبىء عنه قوله تعالى :﴿وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ﴾ فإنه مما يوعد بأمثاله الكفرة أي ومن يعرض عن الاقتداء بهم في التبري من الكفار ووالاهم فإن الله هو الغني وحده عن خلقه وعن موالاتهم ونصرتهم لأهل دينه لم يتعبدهم لحاجته إليهم بل هو ولي دينه وناصر حزبه وهو الحميد المستق للحمد في ذاته ومن صحاح الأحاديث القدسية يا عبادي إنكم لن تبغلوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واجد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبافي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحل يا عباذي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراف فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه قوله هي ضمير القصة يعني ما جزاء أعمالكم إلا محفوظ عندي لأجلكم ثم أؤديها إليكم وافية ثم الحميد فعيل بمعنى المفعول وجوز الإمام القشيري رحمه الله أن يكون بمعنى الفاعل أي حامد لنفسه وحامد للمؤمنين من عباده قال شارح المشكاة وحظ العبد من اسم الحميد أن يسعى لينخرط في سلك المقربين الذين يحمدون الله لذاته لا لغيره قال الشيخ أبو القاسم رحمه الله حمد الله الذين هو من شكره يجب أن يكون على شهود المنعم لأن حقيقة الشكر الغيبة لشهود المنعم عن شهود النعمة.


الصفحة التالية
Icon