حكي أن هارون الرشيد زوج أخته من جعفر بشرط أن لا يقرب منها فلم يصبر عنها فظهر حملها فدفنهما هارون حيين غضباً عليهما ويقال ولا يشربن دواء فيسقطن حملهن كما في تفسير أبي الليث وفي نصاب الاحتساب تمنع القابلة من المعالجة لإسقاط الولد بعدما استبان خلقه ونفخ فيه الروح ومدة الاستبانة والنفخ مقدرة بمائة وعشرين يوماً وأما قبله فقيل لا بأس به كالعزل وقيل يكره لأن مآل الماء الحياة كما إذا أتلف محرم بيضة صيد الحرم ضمن لأن مآلها
٤٨٨
الحياة فلها حكم الصيد بخلاف العزل لأن ماء الرجل لا ينفخ فيه الروح إلا بعد صنع آخر وهو الإلقاء في الرحم فلا يكون مآله الحياة ولعل إسناد الفعل إلى النساء إما باعتبار الرضى به أو بمباشرته بأمر زوجها ﴿وَلا يَأْتِينَ بِبُهُتَـانٍ يَفْتَرِينَه بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ الباء للتعدية والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه أي يدهشه ويجعله متحيراً فيكون أقبح أنواع الكذب وهو في الأصل مصدر يقال بهت زيد عمراً بهتاً وبهتاً وبهتاناً أي قال عليه السلام : ما لم يفعله فزيد باهت وعمر ومبهوت والذي بهت به مبهوت به وإذا قالت لزوجها : هذا ولدي منك لصبي التقطته فقط بهتته به أي قالت عليه ما لم يفعله جعله نفس البهتان ثم وصفه بكونه مفترى مبالغة في وصفهن بالكذب والافتراء والاختلاق يقال فرى فلان كذباً إذا خلقه وافتراه اختلقه قوله يفترينه أما في موضع جر على أنه صفة لبهتان أو نصب على أنه حال من فاعل يأتين وقوله بين أيديهن متعلق بمحذول هو حال من الضمير المنصوب في يفترينه أي يختلقنه مقدراً وجوده بين أيديهن وأرجلهن على أن يكون المراد بالبهتان الولد المبهوت به كما ذهب إليه جمهور المفسرين وليس المعنى على نهيهن عن أن يأتين بولد من الزنى فينسبنه إلى الإزواج لأن ذلك نهى بقوله ولا يزنين بل المراد نهيهن عن أن يلحقن بأزواجهن ولداً التقطنة من بعض المواضع وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدي منك في بطني الذي بين يدي ووضعته من فرجي الذي هو بين رجلي فكنى عنه بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها لأن بطنها الذي تحمله فيه بين يديها ومخرجه بين رجليها والمعنى ولا يجئن بصبي ملتقط من غير أزواجهن فإنه افتراء وبهتان لهم والبهتان من الكبائر التي تتصل بالشرك ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ﴾ أي لا يخالفن أمرك فيما تأمرهن به وتنهاهن عنه على أن المراد من المعروف الأمور الحسنة التي عرف حسنها في الدين فيؤمر بها والشؤون السيئة التي عرف قبحها فيه فنهى عنها كما قيل كل ما وافق في طاعة الله فعلاً أو تركاً فهو معروف وكما روى عن بعض أكابر المفسرين من أنه هو النهي عن النياحة والدعاء بالويل وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه ونشره وخمش الوجه وأن تحدث المرأة الرجال إلا ذا رحم محرم وأن تخلو برجل غير محرم وأن تسافر إلا مع ذي رحم محرم فيكون هذا للتعميم بعد التخصيص ويحتمل أن يكون المراد من المعروف ما يقابل المنكر فيكون ما قبله للنهي عن المنكر وهذا للأمر بالمعروف لتكون الآية جامعة لهما والتقييد بالمعروف مع أن الرسول عليه السلام لا يأمر إلا به للتنبيه على أنه لا تجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق لأنه لما شرط ذلك في طاعة النبي عليه السلام فكيف في حق غيره وهو كقوله ألا ليطاع بإذن الله كما قال في عين المعاني فدل على أن طاعة الولاة لا تجب في المنكر ولم يقل ولا يعصين الله لأن من أطاع الرسول فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله وتخصيص الأمور المعدودة بالذكر في حقهن لكثرة وقوعها فيما بينهن مع اختصاص بعضها بهن ووجه الترتيب بين هذا المنهيات أنه قدم الأقبح على ما هو أدنى قبحاً منه ثم كذلك إلى آخرها ولذا قدم ما هو الأظهر والأغلب فيما بينهن وقال صاحب اللباب ذكر الله تعالى
٤٨٩
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢