في هذه الآية لرسول الله عليه السلام في صفة البيعة خصالا ستاهن اركان ما نهى عنه في الدين ولم يذكر أركان ما أمر به وهي أيضاً ست : الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج والاغتسال من الجنابة وذلك لأن النهي عنها دائم في كل زمان وكل حال فكان التنبيه على اشتراط الدائم أهم وآكد جواب لإذا فهو العامل فيها فإن الفاء لا تكون مانعة وهو أمر من المبايعة أي فبايعهن على ما ذكر وما لم يذكر لوضوح أمره وظهور أصالته في المبالعة من الصلاة والزكاة وسائر أركان الدين وشعائر الإسلام أي بايعهن إذا بايعنك بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء فإن المبايعة من جهة الرسول هو الوعد بالثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته كما سبق وتقييد مبايعتهن بما ذكر من مجيئهن لحثهن على المسارعة إليها مع كمال الرغبة فيها من غير دعوة لهن إليها ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ﴾ زيادة على ما في ضمن المبايعة من ضمان الثواب والاستغفار طلب المغفرة للذنوب والستر للعيوب ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي مبالغ في المغفرة والرحمة فيغفر لهن ويرحمهن إذا وفين بما بايعن عليه بزركى فرمود مردمان ميكويند رحمت موقوفست بر ايمان يعني تابنده ايمان نيارد مستحق رحمت نشود ومن مى كويم كه ايمان موقوفست برحمت يعنى تا برحمت خود توفيق بنخشد كسى بدولت ايمان نرسد "مصراع" توفيق عزيزست بهركس ندهند.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢
يقول الفقير : الأمر بالاستغفار لهن إشارة إلى قبول شفاعة حبيبه عليه السلام في حقهن فهو من رحمته الواسعة وقد عمم هذا الأمر في سورة الفتح فاستفاد جميع عباده وإمائه إلى يوم القيامة من بحر هذا الفضل ما يغنيهم ويرويهم وهو الفياض قال الإمام الطيبي : لعل المبالغة في الغفور باعتبار الكيفية وفي الغفار باعتبار الكمية كما قال بعض الصالحين إنه غافر لأنه يزيل معصيتك من ديوانك وغفور لأنه ينسى الملائكة أفعالك السوء وغفار لأنه تعالى ينسيك أيضاً ذنبك كيلا تستحيي وحظ العارف منه أن يستر من أخيه ما يحب أن يستر منه ولا يفشى منه إلا أحسن ما كان فيه ويتجاوز عما يندر عنه ويكافىء المسيىء إليه بالصفح عنه والإنعام عليه نسأل الله سبحانه أن يجعلنا متخلقين بأخلاقه الكريمة ومتصفين بصفاته العظيمة إنه هو الغفور الرحيم واختلف في كيفية مبايعته عليه السلام لهن يوم الفتح فروي أنه عليه السلام لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا وشرع في بيعة النساء ودعا بذدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس أيديهن فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة خوفاً من رسول الله أن يعرفها لما صنعته بحمزة رضي الله عنه يوم أحد من المثلة فلما قال عليه السلام : أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً رفعت هند رأسها فقالت : والله لقد عبدنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال تبايع الرجال على الإسلام والجهاد فلما قال عليه السلام ولا يسرقن قالت : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هنات أي شيئاً يسيراً فما أدري أيحل لي فقال أبو سفيان : ما أصبت فهو لك حلال فضحك عليه السلام وقال : أنت هند قالت : نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فعفا عنها فقال : ولا يزنين فقالت : وهل تزني الحرة؟ فقال عمر رضي الله عنه : لو كان قلب نساء العرب على قلب
٤٩٠
هند ما زنت امرأة قط فقال : ولا يقتلن أولادهن فقالت : ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة ابن أبي سفيان قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله فقال : ولا يأتين ببهتان فقالت : والله إن البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق فقال : ولا يعصينك في معروف فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعطيك في شيء.
ـ وروي ـ أنه عليه السلام بايعهن وبين يديه وأيديهن ثوب قطري والقطر بالكسر ضرب من البرود يأخذ بطرف منه ويأخذن بالطرف الآخر توقياً عن مساس أيدي الأجنبيات.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢
ـ وروي ـ أنه جلس على الصفا ومعه عمر رضي الله عنه أسفل منه فجعل عليه السلام يشترط عليهن البيعة وعمر تصافحهن.
ـ وروي ـ أن عمر رضي الله عنه كان يبايع النساء بأمره عليه السلام ويبلغهن عنه وهو أسفل منه عند الصفا.
ـ وروي ـ أنه عليه السلام كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن وهي أميمة أخت خديجة رضي الله عنها خالة فاطمة رضي الله عنها وإلا ظهر الأشهر ما قالت عائشة رضي الله عنها والله ما أخذ رسول الله على النساء قط إلا بما أمر الله وما مست كف رسول الله كف امرأة قط وكان يقول إذا أخذ عليهن قد بايعتك على كلها وكان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله يمتحنهن بقول الله : يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات الخ فإذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن : انطلقن فقد بايعتكن.