يقول الفقير الدليل على فضل الراكب على الراجل أن له سهمين من الغنيمة وإنما حث عليه السلام على التراص لأن المسلمين يومئذ كانوا راجلين غالباً ولم يجدوا راحلة ونحوها إلا قليلاً قال سعيد بن جبير رضي الله عنه هذا تعليم من الله للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم ولذلك قالوا لا يجوز الخروج من الصف إلا لحاجة تعرض للإنسان أو في رسالة يرسله الإمام أو منفعة تظهر في المقام المنتقل إليه كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها وفي الخروج عن الصف للمبارزة خلاف لا بأس بذلك إرهاباً للعدو وطلباً للشهادة وتحريضاً على القتال وقيل لا يبلز أحد لذلك لأن فيه رياء أو خروجاً إلى ما نهى الله عنه وإنما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر كما كانت في حروب النبي عليه السلام يوم بدر وفي غزوة خيبر قال في فتح الرحمن أما حكم الجهاد فهو فرض كفاية على المستطيع بالاتفاق إذا فعله البعض سقط عن الباقين وعند النفير العام وهو هجوم العدو يصير فرض عين بلا خلاف ففي الآية زجر عن التباطىء وحث على التسارع ودلالة على فضيلة الجهاد وروي في الخبر أنه لما كان يوم مؤتة بالضم موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر ابن أبي طالب وفيه كانت تعمل السيوف كما في القاموس واكان عليه السلام بن رواحة رضي الله عنه أحد الأمراء الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ناداهم ياأهل المجلس هذا الذي وعدكم ربكم فقاتل حتى قتل وكان عليه السلام بن رواحة الأنصاري شاعر رسول الله وكان يقص على أصحاب رسول الله في مسجده على حياته وجلس إليه رسول الله يوماً وقال : أمرت أن أجلس إليكم وأمر ابن رواحة أن يمضي في كلامه كما في كشف الأسرار ثم إن الجهاد أما مع الأعداء الظاهرة كالكفار والمنافقين وأما مع الأعداء الباطنة كالنفس والشيطان وقال عليه السلام : المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هاجر الخطايا والذنوب وأعظم المجاهدة في الطاعة الصلاة لأن فيها سر الفناء وتشق على النفس ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال وإذ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي
٤٩٥
عليه السلام بطريق التلوين أي اذكر لهؤلاء المؤمنين المتقاعدين عن القتال وقت قول موسى لبني إسرائيل حين ندبهم إلى قتال الجبابرة بقوله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين فلم يمتثلوا بمأمره وعصوه أشد عصيان حيث قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون إلى قوله فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون وأصروا على ذلك وآذوه عليه السلام كل الأذية كذا في الإرشاد.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣


الصفحة التالية
Icon