واعلم أن الداعي في الحقيقة هو الله تعالى كما قال تعالى : والله يدعو إلى دار السلام بأمره الرسول عليه السلام كما قال ادع إلى سبيل ربك وفي الحديث عن ربيعة الجرشي "قال أتى نبي الله عليه السلام فقيل له : لتنم عينك ولتسمع أذنك وليعقل قلبك" قال : فنامت عيناي وسمعت أذناي وعقل قلبي قال فقيل لي سيد بني دارا فصنع مأدبة وأرسل داعياً
٥٠٢
فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المدأبة وسخط عليه السيد قال : فالله السيد ومحمد الداعي والدار الإسلام والمأدبة الجنة ودخل في دعوة النبي دعوة ورثته لقوله أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ولا بد أن يكون الداعي أميراً أو مأموراً وفي المصابيح في كتاب العلم قال : عوف بن مالك رضي الله عنه لا يقص إلا أمر أو مأمور أو مختال رواه أبو داود وابن ماجه قوله أو مختال هو المتكبر والمراد به هنا الواعظ الذي ليس بأمير ولا مأمور مأذون من جهة الأمير ومن كانت هذه صفته فهو متكبر فضولي طالب للرياسة وقيل هذا الحديث في الخطبة خاصة كما في المفاتيح ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ﴾ أي لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم لعدم توجههم إليه ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِـاُوا نُورَ اللَّهِ﴾ الإطفاء الإخماد وبالفارسية فروكشتن آتش وراغ.
أي يريدون أن يطفئوا دينه أو كتابه أو حجته النيرة واللام مزيدة لما فيها من معنى الإرادة تأكيداً لها كما زيدت لما فيها من معنى الإضافة تأكيداً لها في لا أبا لك أو يريدون الافتراء ليطفئوا نور الله وقال الراغب في المفردات : الفرق أن في قوله تعالى يريدون أن يطفئوا نور الله يقصدون إخفاء نور الله وفي قوله تعالى ليطفئوا يقصدون أمراً يتوصلون به إلى إطفاء نور الله ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ بطعنهم فيه وبالفارسية بدهنهاى خود يعني بكفتار ناسنديده وسخنان بي ادبانه.
مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمي ليطفئه ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ أي مبلغه إلى غايته بنشره في الآفاق وإعلائه جملة حالية من فاعل يريدون أو يطفئوا ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ﴾ إتمامه إرغاماً لهم وزيادة في مرض قلوبهم ولو بمعنى أن وجوابه محذوف أي وإن كرهوا ذلك فالله يفعله لا محالة.
قال الكاشفي : وكراهت ايشانرا أثرى نيست در اطفاى راغ صدق وصواب همون ارادت خفاش كه غير مؤثر است درنابودن آفتار :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣
شب ره خواهد كه نبود آفتاب
تاببيند ديده اومرزو بوم
دست قدرت هر صباحى شمع مهر
مى فروزد كورىء خفاش شوم
وفي المثنوي :
شمع حق رايف كنى تواى عجوز
هم توسوزى هم سرت اى كنده وز
كى شود دريا زوز سك نجس
كى شود خورشيد ازيف منطمس
هركه بر شمع خدا آرد فو
شمع كى ميرد بسوزد وز او
ون تو خفاشات بسى بينند خواب
كين جهان ماند يتيم از آفتاب
اى بريده آن لب وحلق ودهان
كه كند تف سوى مه يا آسمان
تف برويش باز كردد بى شكى
تف سوى كردون نيابد مسلكى
تا قيامت تف بر ويار دز رب
همون تبت بر رواه بو لهب
قال ابن الشيخ اتمام نوره لما كان من أجل النعم كان استكراه الكفار إياه أي كافر كان
٥٠٣
من أصناف الكفرة غاية في كفران النعمة فلذلك أسند كراهة إتمامه إلى الكافرين فإن لفظ الكافر أليق بهذا المقام وأما قوله ولو كره المشركون فإنه قد ورد في مقابلة إظهار دين الحق الذي معظم أركانه التوحيد وإبطال الشرك وكفار مكة كارهون له من أجل إنكارهم للتوحيد وإصرارهم على الشرك فالمناسب لهذا المقام التعرض لشركهم لكونه العلة في كراهتهم الدين الحق قال بعضهم : جحدوا ما ظهر لهم من صحة نبوة النبي عليه السلام وأنكروه بألسنتهم وأعرضوا عنه بنفوسهم فقيض الله لقبوله أنفساً أوجدها على حكم السعادة وقلوباً زينها بأنوار المعرفة وأسراراً نورها بالتصديق فبذلوا له المهج والأموال كالصديق والفاروق وأجلة الصحابة رضي الله عنهم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣