ـ وروي ـ عنه أنها ثمان : دار الجلال ودار القرار ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم وقال أبو الليث الجنان أربع كما قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان ثم قال ومن دونهما جنتان فذلك جنان أربع إحداهن جنة الخلد والثانية جنة الفردوس والثالثة جنة المأوى والرابعة جنة عدن وأبوابها ثمانية بالخبر وخازن الجنة يقال له رضوان وقد ألبسه الله الرأفة والرحمة كما أن خازن النار ويقال له مالك قد ألبسه الله الغضب والهيبة وميل الإمام الغزالي رحمه الله إلى كون الجنان أربعاً فلعل الجنات في الآية باعتبار الأفراد لا باعتبار الأسماء وما يستفاد من قلتها بحسب أن الجمع السالم من جموع القلة ليس بمراد فإنها في الوجود الإنساني أربع جنات فالغالب في الجنة الأولى التنعم بمقتضى الطبيعة من الأكل والشرب والوقاع وفي الثانية التلذذ بمقتى النفس كالتصرفات وفي الثالثة التلذذ بالأذواق الروحانية كالمعارف الإلهية وفي الرابعة التلذذ بالمشاهدات وذلك أعلى اللذات لأنها من الخالق وغيرها من المخلوق إن قلت لم لم تذكر أبواب الجنة في القرآن وإنها ثمانية كما ذكرت أبواب النار كما قال تعالى لها سبعة أبواب قلت إن الله سبحانه إنما يذكر من أوصاف الجنة ما فيه تشويق إليها وترغيب فيها وتنبيه على عظم نعيمها وليس في كونها ثمانية أو أكثر من ذلك أو أقل زيادة في معنى نعيمها بل لو دخلوا من باب واحد أو من ألف باب لكان ذلك سواء في حكم السرور بالدخول ولذلك لم يذكر اسم خازن الجنة إذ لا ترغيب في أن يخبر عن أهل الجنة أنهم عند فلان من الملائكة أو في كرامة فلان وقد قال وسقاهم ربهم شراباً طهوراً ولا شك أن من حفثت عنه أنه عند الملك يسقيه أبلغ في الكرامة من أن يقال هو عند خادم من خدام الملك أو في كرامة ولي من أوليائه بخلاف ذكر أبواب النار وذكر مالك فإن فيه زيادة ترهيب قال سهل قدس سره أطيب المساكن ما أزال عنهم جميع الأحزان وأقر أعينهم بمجاورته فهذا الجوار فوق سائر الجوار وقال بعضهم ومساكن طيبة برؤية الحق تعالى فإن المساكن إنما تطيب بملاقاة الأحباب ورؤية العاشق جمال المعشوق
٥٠٨
ووصول المحب إلى صحبة المحبوب وكذا مساكن القلوب إنما تطيب بتجلي الحق ولقاء جماله جعلنا الله وإياكم من أهل الوصول واللقاء والبقاء ﴿ذَالِكَ﴾ أي ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنات المذكورة بما ذكر من الأوصاف الجميلة
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣
﴿الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ الذي لا فوز وراءه قال بعض المفسرين الفوز يكون بمعنى النجاة من المكروه وبمعنى الظفر بالبغية والأول يحصل بالمغفرة والثاني بإدخال الجنة والتنعيم فيها وعظمه باعتبار أنه نجاة لا أعلم بعده وظفر لا نقصان فيه شاناً وزماناً ومكاناً لأنه في غاية الكمال على الدوام في مقام النعيم إعلم أن الآية الكريم أفادت أن التجارة دنيوية وأخروية فالدنيا موسم التجارة والعمر مدتها والأعضاء والقوى رأس المال والعبد هو المشتري من وجه والبائع من وجه فمن صرف رأس ماله إلى المنافع الدنيوية التي تنقطع عند الموت فتجارته دنيوية كاسدة خاسرة وإن كان بتحصيل علم ديني أو كسب عمل صالح فضلاً عن غيرهما فإنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى ومن صرفه إلى المقاصد الأخروية التي لا تنقطع أبداً فتجارته رائجة رابحة حرية بأن يقال فاستبشروا بيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ولعل المراد من التجارة هنا بذل المال والنفس في سبيل الله وذكر الإيمان لكونه أصلاً في الأعمال ووسيلة في قبول الآمال وتوصيف التجارة بالإنجاء لأن النجاة يتوقف عليها الانتفاع فيكون قوله تعالى يغفر لكم بيان سبب الإنجاء وقوله ويدخلهم بما يتعلق به بيان المنفعة الحاصلة من التجارة مع أن التجارة الدنيوية تكون سبباً للنجاة من الفقر المنقطع والتجارة الأخروية تكون سبباً للنجاة من الفقر الغير المنقطع قال عليه السلام : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ يعني أن نعمتي الصحة والفراغ كرأس المال للمكلف فينبغي أن يعامل الله بايمان به وبرسوله ويجاهد مع النفس لئلا يغبن ويربح في الدنيا والآخرة ويجتنب معاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح.
قال الحافظ :
كاري كنيم ورنه خجالت براورد
روزى كه وخت جان بجهان دكر كشيم
وقال أيضاً :
كوهر معرفت اندوزكه يا خود ببرى
كه نصيب دكر انست نصاب زروسيم
وقال أيضاً :
دلا دلالت خيرت كنم براه نجات
مكن بفسق مباهات وزهدهم مفروش
وقال المولى الجامي :
ازكسب معارف شده مشغوف زخارف
در هاى ثمين داده وخرمهره خريده
وقال :
جان فداى دوست كن جامى كه هست
كمترين كارى درين ره بذل روح
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣