ـ روي ـ أنه عليه السلام قال في حق اليهود لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي ثم إن الموت هو الفناء عن الإرادات النفسانية والأوصاف الطبيعية كما قال عليه السلام : موتوا قبل أن تموتوا فمن له صدق إرادة وطلب يحب أن يموت عن نفسه ولا يبالي سقط عن الموت أم سقط الموت عليه وإن كان ذلك مراً في الظاهر لكنه حلو في الحقيقة وفيه حياة حقيقية وشفاء للمرض القلبي :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥١٢
ه خوش كت كروزدار وفروش
شفا بايدت داروى تلخ نوش
وأما من ليس له صدق إرادة وطلب فإنه يهرب من المجاهدة مع النفس ويشفق أن يذبح بقرة الطبيعة فهو عند الموت الطبيعي يقاسي من المرارات ما لا تفي ببيانه العبارات والله الحفيظ ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ ولا تجسرون على أن تتمنوه مخافة أن تؤخذوا بوبال كفركم ﴿فَإِنَّه مُلَـاقِيكُمْ﴾ البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه يعني بكير دشمارا وشربت آن بشيدوفرار سودى ندارد.
والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف أي باعتبار كون الموصوف بالموصوف في حكم الموصول أي إن فررتم من الموت فإنه ملاقيكم كأن الفرار سبب لملاقاته وسرعة لحقه إذ لا يجد الفار بركة في عمره بل يفر إلى جانب الموت فيلاقيه الموت ويستقبله وقد قيل إذا أدبر الأمر كان العطب في الحيلة ﴿ثُمَّ﴾ أي بعد الموت الاضطراري الطبيعي ﴿تُرَدُّونَ﴾
٥١٩
الرد صرف الشيء بذاته أو بحالة من أحواله يقال رددته فارتد والآية من الرد بالذات مثل قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ومن الرد إلى حالة كان عليها قوله تعالى يردوكم على أدباركم ﴿إِلَى عَـالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ﴾ الذي لا يخفى عليه أحوالكم أي ترجعون إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه وإنما وصف ذاته بكونه عالم الغيب والشهادة باعتبار أحوالهم الباطنة وأعمالهم الظاهرة وقد سبق تمام تفسيره في سورة الحشر ﴿فَيُنَبِّئُكُم﴾ س خبر دهد شمارا ﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والمعاصي والفواحش الظاهرة والباطنة بأن يجازيكم بها.
وفي التأويلات النجمية يشير إلى الموت الإرادي الذي هو ترك الشهوات ودفع المستلذات الذي تجتنبون منه لضعف همتكم الروحانية ووهن نهمتكم الربانية فإنه ملاقيكم لا يفارقكم ولكن لا تشعرون به لأنهماككم في بحر الشهوات الحيوانية واستهلاككم في تبار مشتهياتكم الظلمانية فإنكم في لبس من خلق جديد ولا تزالون في الحشر والنشر كما قال وجاءهم الموج من كل مكان أي موج الموت في كل لذة شهية ونعمة نعيمه ثم تردون إلى عالم الغيب غيب النات وغيب الطويات القلبية السرية والشهادة شهادة الطاعات والعبادات فينبئكم أي فيجازيكم بما كنتم تعملون بالنية الصالحة القلبية أو بالنية الفاسدة النفسية انتهى وفيه إشارة إلى أنه كما لا ينفع الفرار من الموت الطبيعي كذلك لا ينفع الفرار من الموت الإرادي لكن ينبغي للعاقل أن يتنبه لفنائه في كل آن ويختار الفناء حباً للبقاء مع الله الملك المنان.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥١٢
اعلم أن الفرار الطبيعي من الموت بمعنى استكراه الطبع وتنفره منه معذور صاحبه لأن الخلاص منه عسير جداً إلا للمشتاقين إلى لقاء الله تعالى.
ـ حكي ـ أنه كان ملك من الملوك أراد أن يسر في الأرض فدعا بثياب ليلبسها فلم تعجبه فطلب غيرها حتى لبس ما أعجبه بعد مرات وكذا طلب دابة فلم تعجبه حتى أتى بدواب فركب أحسنها فجاء إبليس فنفخ في منخره فملأه كبراف ثم سار وسارت معه الخيول وهو لا ينظر إلى الناس كبراً فجاءه رجل رث الهيئة فسلم فلم يرد عليه السلام فأخذ بلجام دابته فقال : ارسل اللجام فقد تعاطيت أمراً عظيماً قال : إن لي إليك حاجة قال : اصبر حتى أنزل قال : لا إلا الآن فقهره على لجام دابته قال اذكرها قال هو سر فدها إليه فساره وقال : أنا ملك الموت فتغير لون الملك واضطرب لسانه ثم قال : دعني حتى أرجع إلى أهلي وأقضي حاجتي فأودعهم قال : لا والله لا ترى أهلك ومالك أبداً فقبض روحه فخر كأنه خشبة ثم مضى فلقي عبداً مؤمناً في تلك الحال فسلم فرد عليه السلام فقال : إن لي إليك حاجة أذكرها في أذنك فقال : هات فساره أنا ملك الموت فقال : مرحباً وأهلاً بمن طالت غيبته فوالله ما كان في الأرض غائب أحب إلي أن ألقاه منك فقال ملك الموت اقض اجتك التي خرجت لها فقال ما لي حاجة أكبر عندي وإلا أحب من لقاء الله قال فاختر علي أي حالة شئت أن أقبض روحك فقال : أتقدر على ذلك قال : نعم إني أمرت بذلك قال : فدعني تى أتوضأ وأصلي فأقبض روي وأنا ساجد فقبض روحه وهو ساجد.
وفي المثنوي :
س رجال از نقل عالم شادمان
وز بقايش شادمان اين كودكان
ونكه آب خوش نديد آن مرغ كور
يش او كوثر نمايد آب شور
٥٢٠


الصفحة التالية
Icon