ـ روي ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كان النبي عليه السلام بخطب يوم الجمعة خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلوس ومن ثمة كانت السنة في الخطبة ذلك وفيه إشعار بأن الأحسن في الوعظ على المنبر يوم الجمعة اقيام وإن جاز القعود لأنه والخطبة من واد واحد لاشتماله على الحمد والثناء والتصلية والنصيحة والدعاء قال حضرة الشيخ الشهير فافتاده قدس سره أن الخطبة عبارة عن ذكر الله والموعظة للناس وكان عليه السلام مستمراً في ذكر الله تعالى ثم لما أراد التنزل لإرشاد الناس بالموعظة جلس جلسة خفيفة غايته أن ما ذكره الفقهاء من معنى الاستراحة لازم لما ذكرنا وكان عليه السلام يكتفي في الأوائل بخطبة واحدة من غير أن يجلس إما لأنه لعظم قدره كان يجمع بين الوصال والفرقة أو لأن أفعاله كانت على وفق الوحي ومقتضى أمر الله فيجوز أن لا يكون مأموراً بالجلسة في الأوائل ثم صار على القياس النسخ وأيضاً وجه عدم جلوسه عليه السلام في الخطبة في بعض الأوقات هو أنه عليه السلام كان يرشد أهل الملكوت كما يرشد أهل الملك فمتى كان أرشاده في الملكوت لا يتنزل ولا يجلس ومتى كان في الملك بأن لم يكن في مجلس الخطبة من هو من أهل الملكوت يتنزل ويجلس مجلس الملك فإن معاشر الأنبياء يكلمون الخلق على قدر عقولهم ومراتبهم وكان عليه السلام متى أراد الانتقال من إرشاد أهل الملك إلى إرشاد أهل الملكوت يقول أرحني يا بلال ومتى أراد التنزل من إرشاد أهل الملكوت إلى إرشاد الملك يقول لعائشة رضي الله عنها كلمني يا حميراء.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥١٢
اعلم أنه كان من فضل الأصحاب رضي الله عنهم وشأنهم أن لا يفعلوا مثل ما ذكر من التفرق من مجلس النبي عليه السلام وتركه قائماً فذكر بعضهم وهو مقاتل بن حيان أن الخطبة يوم الجمعة كانت بعد الصلاة مثل العيدين فظنوا أنهم قد قضوا ما كان عليهم وليس في ترك الخطبة شيء فحولت الخطبة بعد ذلك فكانت قبل الصلاة وكان لا يخرج واحد لرعاف أو إحداث بعد النهي حتى يستأذن النبي عليه السلام يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام فيأذن له النبي عليه السلام يشير إليه بيده قال الإمام السهيلي رحمه الله وهذا الحديث الذي من أجله ترخصوا لأنفسهم في ترك سماع الخطبة وإن لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بأصحاب رسول الله عليه السلام موجب لأنه كان صحيحاً.
يقول الفقير هب أنهم ظنوا أنهم قد قضوا ما كان عليهم من فرض الصلاة فكيف يليق بهم أن يتركوا مجلس النبي عليه السلام ومن شأنهم
٥٢٧
أن يستمعوا ولم يتحركوا كأن على رؤوسهم الطير ولعل ذلك من قبيل سائر الهفوات التي تضمن المصالح والحكم الجليلة ولو لم يكن إلا كونه سبباً لنزول هذه الآية التي هي خير من الدنيا وما فيها لكفى وفيها من الإرشاد الإلهي لعباده ما لا يخفى ﴿قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ﴾ من الثواب يعني ثواب نماز واستماع خطبه ولزوم مجلس حضرت يغمبر عليه السلام وما موصولة خاطبهم الله بواسطة النبي عليه السلام لأن الخطاب مشوب بالعتاب ﴿خَيْرٌ﴾ بهتراست وسود مندتر ﴿مِّنَ اللَّهْوِ﴾ ازاستماع لهو ﴿وَمِنَ التِّجَـارَةِ﴾ واز نفع تجارت فإن نفع ذلك محقق مخلد بخلاف ما فيهما من النفع المتوهم فنفع اللهو ليس بمحقق ونفع التجارة ليس بمخلد وما ليس بمخلد فمن قبيل الظن الزائل ومنه يعلم وجه تقديم اللهو فإن للإعدام تقدماً على الملكات قال البقلي وفيه تأديب المريدين حيث اشتغلوا عن صحبة المشايخ بخلواتهم وعباداتهم لطلب الكرامات ولم يعلموا أن ما يجدون في خلواتهم بالإضافة إلى ما يجدون في صحبة مشايخهم لهو قال سهل رحمه الله : من شغله عن ربه شيء من الدنيا والآخرة فقد أخبر عن خسة طبعه ورذالة همته لأن الله فتح له الطريق إليه وأذن له في مناجاته فاشتغل بما يفنى عما لم يزل ولا يزال وقال بعضهم : ما عند الله للعباد والزهاد غدا خير مما نالوه من الدنيا نقداً وما عند الله للعارفين نقداً من واردات القلوب وبوادر الحقيقة خير مما في الدنيا والعقبى ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ لأنه موجد الأرزاق فإليه اسعوا ومنه اطلبوا الرزق.
وقال الكاشفي : وخداى تعالى بهترين روزى دهند كانست يعني آنانكه وسائط إيصال رزقند وقت باشدكه بخيلى كنند وشايد نيز مصلحت وقت ندانند نقلست كه يكى از خلفاى بعداد بهلول را كفت بياتا روزى هرروز تو مقرر كنم تا وقت متعلق بدان نباشد بهلول جواب دادكه نين ميكردم اكر ند عيب نبودى اول آنكه توندانى كه مراه بايد دوم نشناسى كه مراكى بايد سوم معلوم ندارى كه مرا ند بايد وحق تعالى كافل رزق منست اين همه ميداند وازروى حكمت بمن ميرساند وديكر شايد كه برمن غضب كنى وآن وظيفه ازمن باز كيرى وحق سبحانه وتعالى يكناه ازمن روزى باز نميدارد :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥١٢
خدايى كه اوساخت ازنيست هست
بعصيان در رزق بركس نيست
از وخواه روزى كه بخشنده اوست
بر آرنده كار هر بنده اوست


الصفحة التالية
Icon