يحبون أنبياءهم وليسوا معهم وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك من غير موافقة في بعض الأعمال أو كلها لا ينفع كما في إحياء العلوم ولذا قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : المرء مع من أحب في الدنيا بالطاعة والأدب الشرعي وفي الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدي انتهى فإذا كانت المحبة المجردة بهذه المثابة فما ظنك بالنفاق الذي هو هدم الاس والأصل وبناء الفرع فلا اعتداد بدعوى المنافق ولا بعمله.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩
وفي التأويلات القاشانية المنافقون هم المذبذبون الذين يجذبهم الاستعداد الأصلي إلى نور الإيمان والاستعداد العارضي الذي حدث برسوخ الهيئاتالطبيعية والعادات الردئية إلى الكفر وإنما هم كاذبون في شهادة الرسالة لأن حقيقة معنى الرسالة لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم الذين يعرفون الله ويعرفون بمعرفته رسول الله فإن معرفة الرسول لا تمكن إلا بعد معرفة الله ويقدر العلم بالله يعرف الرسول فلا يعلمه حقيقة إلا من انسلخ عن علمه وصار عالماً يعلم الله وهم محجوبون عن الله بحجب ذوتهم وصفاتهم وقد أطفأوا نور استعداداتهم بالغواشي البدنية والهيئات الظلمانية فإنى يعرفون رسول الله حتى يشهدوا برسالته انتهى قال الشيخ أبوالعباس معرفة الولي أصعب من معرفة الله فإن الله معروف بكماله وجماله وحتى متى يعرف مخلوقاً مثله يأكل كما يأكل ويشرب كما يشرب ﴿اتَّخَذُوا﴾ أي المنافقون ﴿أَيْمَـانَهُمْ﴾ الفاجرة التي من جملتها ما حكى عنهم لأن الشهادة تجري مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله على أن أشهد يمين واليمين في الحلف مستعار من اليمين التي بمعنى اليد اعتباراً بما يفعله المحالف والمعاهد عنده واليمين بالله المصادقة جائزة وقت الحاجة صدرت من النبي عليه السلام كقوله والله والذي نفسي بده ولكن إذا لم يكن ضرورة قوية يصان اسم الله العزيز عن الابتذال ﴿جُنَّةً﴾ أي وقاية وترساً عما يتوجه إليهم من المؤاخذة بالقتل والسبي أو غير ذلك واتخاذها جنة عبارة عن إعدادهم وتهيئتهم لها إلى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فإن ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة وعن سببها أيضاً كما يفصح عنه الفاء في قوله ﴿فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يقال صد عن الأمر صداً أي منعه وصرفه وصد عنه صدوداً أي أعرض والمعنى فمنعوا وصرفوا من أراد الدخول في الإسلام بأنه عليه السلام ليس برسول ومن أراد الإنفاق في سبيل الله بالنهي عنه كما سيحكى عنهم ولا ريب في أن هذا الصد منهم متقدم على حلفهم بالفعل وأصل الجن ستر الشيء عن الحاسة يقال جنه الليل وأجنه والجنان القلب لكونه مستوراً عن الحاسة والمجن والجنة الترس الذي يجن صاحبه والجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض ﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي ساء الشيء الذي كانوا يعملونه من النفاق والصد والإعراض عن سبيله تعالى وفي ساء معنى التعجب وتعظيم أمرهم عند السامعين ﴿ذَالِكَ﴾ القول الشاهد بأنهم أسوأ الناس أعمالاً وبالفارسية أين حكم حق ببدىء أعمال ايشان ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أي بسبب أنهم ﴿ءَامَنُواّ﴾ أي نطقوا بكلمة الشهادة كسائر من يدخل الإسلام ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ أي ظهر كفرهم بما شوهد منهم من شواهد الكفر
٥٣١
ودلائله من قولهم إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن حمير وقولهم في غزوة تبوك أيطمع هذا الرجل أن يفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات فثم اللتراخي أو كفروا سراً فثم للاستبعاد ويجوز أن يراد بهذه الآية أهل الردة منهم كما في الكشاف ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ ختم عليها يعني مهر نهاده شد.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩


الصفحة التالية
Icon