خلق الله في الأرض الأسباب ومنها فتح الأبواب قال بعض الكبار مراعاة حق أم الولد من الرضاع أولى من مراعاة أم الولادة لأن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فيكون فيها وتغذي بدم طمثها من غير ءرادة لها في ذلك فما تغذي إلا بما لو لم يخرج منها لأهلكها وأمرضها فللجنين المنة على أمه في ذلك وأما المرضعة فأتما قصدت برضاعه حياته وإبقاءه ولهذا المعنى الذي أشرنا إليه جعل الله المرضعة لموسى أم ولادته حتى لا يكون لامرأة عليه فضل غير أمه فلما كبر وبلغ إقامة الحجة عليه جعله الله كلا على أن إسرائيل امتحاناً له فقلق من تغير الحال عليه وقال : يا رب أغنني عن بني إسرائيل فأوحى الله إليه أما ترضى يا موسى أن أفرغك لعبادتي وأجعل مؤونتك على غيرك فسكت ثم سأل ثانياً فأوحى الله إليه لا يليق بنبي أن يرى في الوجود شيئاً لغير سيده فكل من رزق ربك ولا منة لأحد عليك فسكت ثم سأل ثالثاً فأوحى الله إليه يا موسى إذا كانت هذه شكاسة خلقك على بني إسرائيل وأنت محتاج إليه فكيف لو أغنيتك عنهم فما سأل بعد ذلك شيئاً فالله تعالى يوصل الرزق على عبده بيد من يشاء من عباده مؤمناً أو كافراً وكل ذلك من الحلال الطيب إذا لم يسبق إليه خاطرة أو تعرض ما ولا منة لأحد عليه وإنما يمن الجاهل وابتلاؤه تعالى لأوليائه بالفقر ليس من عدم قدرته على الإعطاء والإغناء من عدم محبته لهم وكرامتهم عنده بل هو من إنعامه عليهم ليكونوا ازهد الناس في الدنيا وأفراجرا في الآخرة ولذا قال عليه السلام في حق فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفاً وكان عليه السلام يستفتح بصعاليك المهاجرين أي فقرائهم لقدرهم وقبولهم وجاههم عند الله تعالى على أن الأغنياء إن خصوا بوجود الأرزاق فالفقراء خصوا بشهود الرزاق وهو خير منه وصاحبه أنعم فمن سعد بوجود الرزاق لم يضره ما فاته من وجود الأرزاق قال الجنيد قدس سره : خزائنه في السموات الغيوب وخزائنه في الأرض القلوب فما انفصل من الغيوب وقع على القلوب وما انفصل من القلوب صار إلى الغيوب والعبد مرتهن بشيئين تقصير الخدمة وارتكاب الزلة وقال الواسطي قدس سره من طالع الأسباب في الدنيا ولم يعلم أن ذلك بحجبه عن التوفيق فهو جاهل.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩
وفي التأويلات النجمية : ولله خزائن الأرزاق السماوية من العلوم والمعارف والحكم والعوارف المخزونة لخواص العباد يرزقهم حيث يشاء ولله خزائن الأرزاق الأرضية من المأكولات والمشروبات والملبوسات والخيول والبغال المخزونة لعوام العباد ينفق عليهم من حيث لا يحتسبون ولكن المنافقين بسبب إفساد استعداداتهم وعدم نورانيتهم وغلبة ظلمانيتهم ما يفهمون الأسرار الإلهية والإشارات الربانية ﴿يَقُولُونَ لئن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاعَزُّ مِنْهَا الاذَلَّ﴾ روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين لقي بني المصطلق وهم بطن من خزاعة على المريسيع مصغر مرسوع وهو ماء لهم في ناحية قديد على يوم من الفرغ بالضم موضع من أضخم أعراض المدينة وهزمهم وقتل منهم واستاق ألفي بعير وخمسة آلاف شاة وسبي مائتي أهل بيت أو أكثر وكانت في السبي جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق أعتقها النبي عليه السلام وتزوجها وهي ابنة
٥٣٧


الصفحة التالية
Icon