عشرين سنة ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفار رضي الله عنه وهو أجير لعمر رضي الله عنه يقود فرسه وسنان الجهني المنافق حليف ابن أبي رئيس المنافقين واقتتلا فصرخ جهجاه بالمهاجرين وسنان بالأنصار فاعان جهجاه جعال بالكسر من فقراء المهاجرين ولطم سنانا فاشتكى إلى ابن أبي فقال لجعال وأنت هناك قال ما صحبنا محمداً إلا لنلطم وا ما مثلنا ومثلهم إلا كما قيل سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا من هذا السفر إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل عني بالأعز نفسه وبالأذل جانب المؤنين فإسناد القول المذكور إلى المنافقين لرضاهم به ثم قال لقوله : ماذا فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولأوشكوا أن يتحولوا عنكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال : أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال ابن أبي اسكت فإنما كنت ألعب فأخبر زيد رسول الله بما قال ابن أبي فتغير وجه رسول الله فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال : إذا ترغم أنوفاً كثيرة بيثرب يعني المدينة ولعل تسميته لها بذلك إن كان بعد النهي لبيان الجواز قال عمر رضي الله عنه : فإن كرهت أن يقتله مهاجري فائمر به أنصارياً فقال : إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه وقال عليه السلام لابن أبي أنت صاحب الكلام الذي بلغني قال : والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك وأن زيداً لكاذب فقال الحاضرون : شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام وعسى أن يكون قدوهم فروي أن رسول الله قال له : لعلك غضبت عليه قال : لا قال : فلعله أخطأك سمعك قال : لا قال : فلعله شبه عليك قال : لا فلما نزلت هذه الآية لحق رسول الله زيداً من خلفه فعرك إذنه وقال : وفت أذنك يا غلام إن الله صدقك وكذب المنافقين ورد الله عليهم مقالتهم بقوله :﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي ولله الغلبة والقوة ولمن أعزه من رسوله والمؤمنين لا لغيرهم كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من المنافقين والكافرين.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩
وعن بعض الصالحين وكان في هيئة رثة ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه والغني الذي لا فقر معه وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلاً قال له : إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً أي كبراً فقال : ليس ذلك بتيه ولكنه عزة وتلا هذه الآية وقال بعض الكبار : من كان في الدنيا عبداً محضاً كان في الآخرة ملكاً محضاً ومن كان في الدنيا يدعي الملك الشيء ولو من جوارحه نقص من ملكه في الآخرة بقدر ما ادعاه في الدنيا فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية الذل في جناب الحق ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية العزة في نفسه ولو كان مصفوعاً في الأسواق ولا أريد بعز الدنيا أن يكون من جهة الملوك فيها إنما أريد أن يكون صفته في نفسه العزة وكذا القول في الذلة وقال الواسطي رحمه الله عزة الله أن لا يكون شيء إلا بمشيئته وإرادته وعزة المرسلين أنهم آمنون من زوال الإيمان وغزة المؤمنين إنهم آمنون من دوام العقوبة وقال عزة الله
٥٣٨
العظمة والقدرة وعزة الرسول النبوة والشفاعة وعزة المؤمنين التواضع والسخاء والعبودية دل عليه قوله عليه السلام أنا سيد ولد آدم ولا فخر أي لا أفتخر بالسيادة بل أفتخر بالعبودية وفيها عزتي إذ لا عزة إلا في طاعة الله ولا ذل إلا في معصية الله وقال بعضهم : عزة الله قهره من دونه وعزة رسوله بظهور دينه على سائر الأديان كلها وعزة المؤمنين باستذلالهم اليهود والنصارى كما قال وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين وقيل عزة الله الولاية لقوله تعالى هنالك الولايةالحق وعزة رسوله الكفاية لقوله تعالى إنا كفيناك المستهزئين وعزة المؤمنين الرفعة لقوله تعالى : وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.


الصفحة التالية
Icon