بعضهم عن بعض ومن أني محمداً من قريش ممن هو على دين محمد بغير إذن وليه رده إليه ذكراً كان أو أنثى ومن أتى قريشاً ممن كان مع محمد أي مرتداً ذكراً كان أو أنثى لم ترده إليه" وسبب الأول أن في رد المسلم إلى مكة عمارة للبيت وزيادة خير له في الصلوة بالمسجد الحرام والطواف بالبيت فكان هذا من تعظيم حرمات الله وسبب الثاني أنه ليس من المسلمين فلا حاجة إلى رده وشرطوا أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وأن بيننا وبينكم عيبة مكفوفة أي صدوراً منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة بل منطوية على الوفاء بالصلح وأنه لا إسلال ولا إغلال أي لا سرقة ولا خيانة قال سهيل : وأنك ترجع عامك هذا فلا تدخل مكة وأنه إذا كان عام قابل خرج منها قريش فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثة أيام معك سلاح الراكب السيوف في القرب والقوس لا تدخلها بغيرهما وكان المسلمون لا يشكون في دخولهم مكة وطوافهم بالبيت ذلك العام للرؤيا التي رآها رسول الله فلما رأوا الصلح وما تحمله رسول الله في نفسه دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون خصوصاً من اشتراط أن يرد إلى المشركين من جاء مسلماً منهم وكانت بيعة الرضوان قبل الصلح وأنها سبب الباعث لقريش عليه ولما فرغ رسول الله من الصلح وأشهد عليه رجالاً من المسلمين قام إلى هديه فنحره وفرق لحم الهدى على الفقراء الذين حضروا الحديبية وفي رواية بعث إلى مكة عشرين بدنة مع ناجية رضي الله عنه حتى نحرت بالمروة وقسم لحمها على فقراء مكة ثم جلس رسول الله في قبة من أديم أحمر فحلق رأسه خداش الذي بعض إلى قريش كما تقدم ورمى شعره على شجرة فأخذه الناس تبركاً وأخذت أم عمارة رضي الله عنها طاقات منه فكانت تغسلها للمريض وتسقيه فيبرأ بإذن الله تعالى فلما رأوا رسول الله قد نحر رافعاً صوته باسم الله والله أكبر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون وقصر بعضهم كعثمان وأبي قتادة رضي الله عنهما وقال عليه السلام :"اللهم ارحم المحلقين دون المقصرين قال" قال : لأنهم لم يرجوا أن يطوفوا بالبيت بخلاف المقصرين أي لأن الظاهر من حالهم أنهم أخروا بقية شعورهم رجاء أن يحلقوا بعد طوافهم وأرسل الله ريحاً عاصفة احتملت شعورهم فألقتها في قرب الحرم وإن كان أكثر الحديبية في الحرم فاستبشروا بقبول عمرتهم وأقام عليه السلام بالحديبية تسعة عشر أو عشرين يوماً ثم انصرف قافلاً إلى المدينة فلما كان بين الحرمين وأتى بكراع الغميم على ما في "إنسان العيون" وغيره أنزلت عليه سورة الفتح وحصل للناس مجاعة هموا أن ينحروا ظهورهم فقال عليه السلام :"ابسطوا أنطاعكم وعباءكم ففعلوا ثم قال : من كان عنده بقية من زاد أو طعام فلينشره" ودعا لهم ثم قال :"قربوا أوعيتكم" فأُذوا ما شاء الله وحشوا أوعيتهم وأكلوا حتى شبعوا وبقي مثله وقال عليه السلام لرجل من أصحابه :"هل من وضوء" بفتح الواو وهو ما يتوضأ به فجاء بأداوة وهي الركوة فيها ماء قليل فأفرغها في قدح ووضع راحته الشريفة في ذلك الماء قال الراوي : فتوضأنا كلنا أي الألف والأربعمائة نصبه صباً شديداً ولما أنزلت سورة الفتح قال عليه السلام لأصحابه :"أنزلت علي سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" وفي رواية لقد أنزلت علي
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢
سورة ما يسرني بها حمر النعم والحمر بسكون الميم جمع أحمر والنعم بفتحتين تطلق على جماعة الإبل لا واحد لها من لفظها والمراد بحمر النعم الإبل الحمل وهي من أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منها ثم قرأ السورة عليهم وهنأهم وهنأوه يعني إيشانرا تهنيه كفت وأصحاب نيزويرا مبارك بادكفتند.
وتكلم بعض الصحابة وقال : هذا ما هو بفتح لقد صدونا عن البيت وصد هدينا فقال عليه السلام لما بلغه يئس الكلام بل هو أعظم الفتح لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالبراح عن بلادهم وسألوك القضية أي الصلح والتجأوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا وظفركم الله عليهم وردكم سالمين مأجورين فهو أعظم الفتوح أنسيتم يوم يحد وأنا أدعوكم في أخراكم أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون فقال المسلمون : صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ولأنت أعلم بالله وبأمره منا وقال له عمر رضي الله عنه : ألم تقل أنك تدخل مكة آمناً قال : بلى أفقلت لكم من عامي هذا قالوا لا قال : فهو كما قال جبريل فإنكم تأتونه وتطوفون به أي لأنه جاءه الوحي بمثل ما رأى وذكر بعضهم أنه عليه السلام لما دخل مكة في العام العاقل وحلق رأسه قال هذا الذي وعدتكم فلما كان يوم الفتح وأخذ المفتاح قال هذا الذي قلت لكم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢