﴿وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ " حال من فاعل تحبط أي والحال أنكم لا تشعرون بحبوطها والشعور العلم والفطنة والعشر العلم الدقيق.
ودانستن از طريق حس.
وفيه مزيد تحذير لما نهوا عنه استدل الزمخشري بالآية على أن الكبيرة تحبط الأعمال الصالحة إذ لا قائل بالفصل والجواب أنه من باب التغليظ والمراد أنهم لا يشعرون أن ذلك بمنزلة الكفر المحيط وليس كسائر المعاصي وأيضاً أنه من باب ولا تكونن ظهيراً للكافرين يعني أن المراد وهو الجهر والرفع والمقرونان بالاستهانة والقصد إلى التعريض بالمنافقين قال الراغب : حبط العمل على اضرب أحدها أن تكون الأعمال دنيوية فلا تغني في القيامة غناء كما أشار إليه تعالى بقوله : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منيوراً والثاني أن تكون أعمالاً أخروية لكن لم يقصد صاحبها بلا وجه كما روى يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له : بم كان اشتغالك قال : بقارءة القرآن فيقال له : كنت تقرأ ليقال فلان قارىء وقد قيل ذلك فيومر به إلى النار والثالث أن تكون أعمالاً صالحة لكن بأزارئها سيئات توفي عليها وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان انتهى وحبط عمله كسمع وضرب حبطاً وحبوطاً بطل وأحبطه الله أبطله كما في القاموس وقال الراغب : أصل الحبط من الحبط وهو أن تكثر الدابة من الكلأ حتى تنتفخ بطنها فلا يخرج منها شيء قال البقلي في العرائس اعلمنا الله بهذا التأديب أن خاطر حبيبه من كمال لطافته ومراقبة جمال ملكوته كان يتغير من الأصوات الجهرية وذلك من غاية شغله بالله وجمع همومه بين يدي الله فكان إذا جهر أحد عنده يتأذى قلبه ويضيق صدره من ذلك كأنه يتقاعد سره لحظة عن السير في ميادين الأزل فخوفهم الله من ذلك فإن تشويش خاطره عليه السلام سبب بطلان الأعمال ومن العرش إلى الثرى لا يزن عند خاطره ذرة واجتماع خاطر الأنبياء والأولياء في المحبة أحب إلى الله من أعمال الثقلين وفيه حفظ الحرمة لرسول الله وتأديب المريدين بين يدي أولياء الله.
يقول الفقير ولكمال لطافته عليه السلام كان الموت عليه
٦٥
أشد إذ اللطيف يتأثر مما لا يتأثر الكثيف كما قال بعضهم قد شاهدنا أقواماً من عرب البوادي يسلخ الحكام جميع جلد أحدهم ولا يظهر ضجراً ولو سلخ أكبر الأولياء لصاح إلا أن يؤخذ عقله بمشاهدة تمنع إحساسه انتهى ومن هنا عرف أن لكل من الجهر والخفاء محلاً فشديد النفس له الجهر ولينه له الإخفاء كما في حال النكر وليس كل أحد صاحب مشاهد وقال سهل : لا تخاطبوه إلا مستفهمين ثم إن الأصحاب رضي الله عنهم كانوا بعد هذه الآية لا يكلمونه عليه السلام إلا جهراً يقرب من السر والهمس وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلام لأنه حي في قبره وكذا القرب منه عليه السلام في المواجهة عند السلام بحيث كان بينه وبينه عليه السلام أقل من أربعة أذرع وكره بعضهم رفع الصوت في مجالس الفقهاء تشريفاً لهم إذ هم ورثة الأنبياء قال سليمان بن حرب ضحك إنسان عند حماد بن زيد وهو يحدث بحديث عن رسول الله فغضب حماد وقال : إني أرى رفع الصوت عند حديث رسول الله وهو ميت كرفع الصوت عنده وهو حي وقام وامتنع من الحديث ذلك اليوم وحاصله أن فيه كراهة الرفع عند الحديث وعند المحدث مع أن الضحك لا يخلو من السخرية والهزل ومجلس الجد لا يحتمل مثل ذلك ولو دخل السلف مجالس هذا الزمان من مجلس الوعظ والدرس واجتماع المولد ونحو ذلك خرجوا من ساعتهم لما رأوا من كثرة المنكرات وسوء الأدب.
بزركان كفته اند من ترك الاداب رد عن الباب نهصد هزار ساله طاعت ابليس بيك بي ادبى ضايع شد :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
نكاه دار ادب در طريق عشق ونياز
كه كفته اند طريقت تمام آدابست
نسأل الله الكريم أن يجعلنا متحلين بحلية الأدب العظيم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ الخ ترغيب في الانتهاء عما نهوا عنه بعد الترهيب من الإخلال به والغض النقصان من الطرف والصوت وما في الإناء يقال غض طرفه خفضه وغض السقاء نقص مما فيه والمعنى أن الذين يخفضون أصواتهم عند رسول الله مراعاة للأدب وخشية من مخالفة النهي ﴿أولئك﴾ مبتدأ خبره قوله :﴿الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميزا بريزه من خبثه فهو من إطلاق المقيد وهو إخلاص الذهب وإرادة المطلق :
دربوته امتحان كرم بكدازى
منت دارم كه بي غشم ميسازى