وقال في الأساس محن الأديم مدده حتى وسعه وبه فسر قوله تعالى : امتحن الله قلوبهم أي شرحها ووسعها وعن عمر رضي الله عنه : اذهب عنها الشخزتن أي نزع عنها محبة الشهوات وصفاها عن دنس سوء الأخلاق وحلاها بمكارمها حتى انسلخوا عن عادات البشرية ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿مَغْفِرَةٍ﴾ عظيمة لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ التنكير للتعظيم أي ثابت لهم غفران وأجر عظيم لا يقادر لغضهم وسائر طاعاتهم فهو استئناف لبيان جزاء الغاضين مدحاً لحالهم وتعريضاً بسوء حال من ليس مثلهم وفي الآية إشارة إلى غض الصوت عند الشيخ المرشد أيضاً لأنه الوارث وله الخلافة ولا يقع الغض إلا من أهل السكينة والوقار وقال الحسين قدس سره : من امتحن الله قلبه بالتقوى كان شعاره القرآن ودثاره الإيمان وسراجه التفكر
٦٦
وطيبه التقوى وطهارته التوبة ونظافته الحلال وزينته الورع وعلمه الآخرة وشغله بالله ومقامه مع الله وصومه إلى الممات وإفطاره من الجنة وجمعه الحسنات وكنزه الإخلاص وصمته المراقبات ونظره المشاهدات قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر التقوى كل عمل يقيك من النار وإذا وقاك من النار وقاك من الحجاب وإذا وقاك من الحجاب شاهدت العزيز الوهاب روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لن يزال قلب ابن آدم ممتلئاً حرصاً إلا الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى قال الراوي فلقد رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله لا يركب إلى زراعة له وأنها منه على فراسخ وقد أتى عليه سبعون سنة وروي أنه عليه السلام قال : لا يزال قلب ابن آدم جديداً في حب الشيء وإن التفت ترقوتاه من الكبر إلا الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى وهم قليل.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١
يعني هميشه دل آدم نوى باشد درجب يزى واكره نكرسته باشد هردو نبر كردنش ازيرى وبزركى مكر آتانكه امتحان كرداست خدا قلوب ايشان ازبراى تقوى واند كند ايشان :
وجود تو شهريست رنيك وبد
تو سلطان ودستور دانا خرد
هما نا كه دونان كردن فراز
درين شهر كبرست وسودا وآز
و سلطان عنايت كند بابدان
كجا ماند آسايش بخردان
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ﴾ المناداة والنداء خواندن ﴿مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ﴾ أي من خارجها من خلفها أو قدامها لأن وراء الحجرة عبارة عن الجهة التي يواريها شخص الحجرة بجهتها أي من أي ناحي كانت من نواحيها ولا بد أن تكون تلك الجهة خارج الحجرة لأن ما في داخلها لا يتوارى عمن فيها بحثة الحجرة واشتراك الوراء في تينك الجهتين معنوي لا لفظي لكن جعله الجوهري وغيره من الأضداد فيكون اشتراكه لفظياً ومن ابتدائية دالة على أن المناداة نشأت من جهة الوراء وأن المنادى داخل الحجرة لوجوب اختلاف المبدأ والمنتهى بحسب الجهة وإذا جرد الكلام عن حرف الابتداء جاز أن يكون المنادى أيضاً في الخارج لانتفاء مقتضى اختلافهما بالجهة والمراد حجرات أمهات المؤمنين وكانت لكل واحدة منهما حجرة فتكون تسعاً عددهن جمع حجرة بمعنى محجورة كقبضة بمعنى مقبوضة وهي الموضع الذي يحجره الإنسان لنفسه بحائط ونحوه ويمنع عبره من أن يشاركه فيه من الحجر وهو المنع وقيل للعقل حجر لكون الإنسان في منع منه مما تدو إليه نفسه ومناداتهم من ورائها إما بأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه عليه السلام من ورائها أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له عليه السلام لأنهم لم يتحققوا إمكانه فناداه بعض من وراء هذه وبعض من وراء تلك فأسند فعل الإبعاض إلى الكل وقيل الذي ناداه عينة بن حصين الفزاري وهو الأحمق المطاع وكان من الجرارين يجر عشرة آلاف قناة أي تتبعه والأقرع بن حابس وهو شاعر بني تميم وفدا على رسول الله في سبعين رجلاً من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا : يا محمد اخرج إلينا فنحن الذين مدحنا زين وذمنا شين فاستيقظ فخرج وقال لهم : ويحكم ذلك أي الله الذي مدحه زين وذمه شين وإنما أسند النداء إلى الكل وإنما أسند النداء إلى الكل لأنهم رضوا بذلك أو أمروا به أو لأنه وجد فيما بينهم وقال سعدي المفتي : إنما يحتاج إلى التأويل إذا أريد باستغراق الجمع
٦٧
الاستغراق الإفرادي وأما لو أريد الاستغراق المجوعي فلا ولذلك قالوا مقابلة الجمع بالجمع تفيد انقسام الآحاد بالآحاد وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنهم فقال : هم جفاة بني تميم لولا أنهم من أشد الناس قتالاً للأعور الدجال لدعوت الله أن يهلكهم فنزلت الآية ذماً لهم وبقي هذا الذم إلى الأبد وصدق رسول الله في قوله ذلكم الله
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦١


الصفحة التالية
Icon